أخباركتب ودراسات

«جذور» يروي للعالم حكاية الحضارة والإنسان

د. عبداللطيف العفالق

في بحث فريد من نوعه، يعكس إسهاماً خليجياً وعربياً في العلوم الإنسانية، خلص الكاتب د. عبداللطيف محمد أحمد العفالق، مستشار تطوير منتجات ثقافية ووجهات سياحية، عبر كتابه «جذور» إلى أن الجزيرة العربية هي الوطن الأم للإنسان، مستنداً في ذلك لأدلة علمية ودينية.

وفي حديثه يرصد حكاية الإنسان مع الوطن الأم، عبر كتابه، الذي طرح فيه هذه الحكاية بشمولية وتكامل منذ بداية وجوده على الأرض حتى العصر الحديث، ما يجعل هذا الإصدار مشروعا، يرجو د. العفالق أن تنبثق عنه مشاريع إعلامية وبحثية وفنية أخرى، حال أصبح مؤسسياً، لمحدودية الجهد الفردي.

كما يروي د. العفالق أبرز الأدلة التي اعتمد عليها في دراسته، معرجاً على كونه بحثاً يروي حكاية الإنسان، وكأنها لم ترو من قبل، كونها أعظم حكايا الكون، بالإضافة إلى جوانب أخرى ذات الصلة، طرحت نفسها على النحو التالي:

 

–  ما النموذج العلمي الذي استند عليه مشروع كتاب «جذور» في دراسته وبحثه؟

النموذج العلمي في الكتاب يركز على ثلاثة أسئلة واختبارين، السؤال الأول يرتبط بالإنسان الأول الذي نبحث عنه، دون الخوض في قصة البداية وكيفية وجود الإنسان، ولذلك فالكتاب يبحث عن الإنسان الواعي الأول، حسب التسميات العلمية والدينية، دون الانشغال بالتطور، بمعنى أن «جذور» يتناول الإنسان المعاصر بالصفات التشريحية وغيرها، أي من يحمل صفات الإنسان، وكذلك التعرف على بدايات ظهور هذه الصفات. ويحدد الكتاب هذا الإنسان الذي يتحدث عنه، دون غيره، ليأتي السؤال الثاني عن طبيعة الزمن الذي وُجدت فيه هذه الصفات التشريحية وغيرها في السجل الأحفوري. وهنا نتفق مع نظرية التطور في الوسائل، غير أننا نختلف معها في التفسير، الأمر الذي لا يجعل هناك تعارضاً بين نظرية التطور، وبين نظرية «جذور». أما السؤال الثالث الذي يطرحه الكتاب، فيتعلق بالمكان الذي وُجد فيه الإنسان على كوكب الأرض، إذ إنه من خلال الأحافير ومنظومة الأشياء الداعمة لها، نصل إلى نتيجة بأن الجزيرة العربية هى الوطن الأم للإنسان، وهناك أدلة علمية تدعم ذلك، منها المناخ والأحافير والجيولوجيا، والمنظومات الأخرى. أما الاختباران اللذان تحدثت عنهما، فالأول يرتبط بأهمية المكان الذي يحتضن الإنسان، وفق ما أثبتته الأحافير بوجود الغابات المتحجرة والأنهار، وغيرهما، ما يعني أنها بيئة داعمة، فضلاً عن جيولوجيا الأرض. أما الاختبار الثاني، فهو الانتشار، والذي يستند إلى السجل الأحفوري، ولذلك رشح الكتاب أنه قبل 75 ألف قبل الميلاد، بدأت الهجرات تخرج من نقطة البداية، والتي هي هنا الجزيرة العربية.

وبعد كل الأسئلة الثلاثة والاختبارين، توصل الكتاب إلى ترشيح الجزيرة العربية، وخاصة وادي الخليج العربي، ليكون المحضن الأول للإنسان.

– وعلى أي أساس استند الكتاب إلى النتائج التي توصل إليها؟

بداية أؤكد أن أي شيء قبل التاريخ يظل فرضياً، ولذلك ذكرت في خاتمة الكتاب أنني على يقين بأن ما توصلت إليه، ليس يقيناً، بل سيظل تاريخ الإنسان هو التاريخ، ويأبى الله سبحانه وتعالى أن يكتمل كتاباً إلا كتابه، فالعمل الإنساني به من الخلل والقصور ما في الإنسان نفسه، لكني مطمئن في تحديد المكان الأول الذي كان كان محضنا للإنسان الأول، وفق الأدلة العلمية والدينية التي تتعاضد لتؤرخ لنا صورة أعتقد أنها الأقرب إلى الصواب.

 

 

– وما السبب الذي جعلك تقدم على انجاز هذا العمل البحثي الكبير؟

– لقد وصلت إلى قناعة وإجابات حرصت على مشاركة الناس لها، انطلاقاً من زكاة العلم، والحرص على نشره، وليس هذا من باب العاطفة أن أنجز مشروعاً لأعلن خلاله أن السعودية ودول الخليج هي الموطن الأول للإنسان، بقدر ما أن مشروعي لغرض التفكير في الحكاية الأولى، لتكون لنا نحن العرب قصتنا، لنرويها للعالم، في ظل وجود ادعاءات غيرها في دول العالم تتحدث عن دعايات مختلقة، بهدف تحقيق أهداف سياحية واقتصادية، علاوة على أن العالم ذاته يبحث عن جذور شجرة الإنسانية.

كما أردت من خلال الكتاب إثبات ما لدينا من مساهمات في دول الخليج العربية، وليس ذلك بغرض التعالي على البشر، والحديث عن أفضلية جنس على آخر، بقدر حرصي على أن تكون لنا حكايتنا كما ذكرت.

– وما المدة التي استغرقتها في إنجاز الكتاب؟ وهل كنت في البداية تتوقع أن يصبح مشروعاً؟

ظللت قرابة 12 عاماً أعمل على هذا المشروع، لأنتهي إلى النتيجة التي توصلت إليها، والتي جاءت نتاج بحث متواصل، كانت بدايتها طرح مجموعة تساؤلات، إلى أن تبلورت الفكرة، ووصلت بعدها إلى قناعة للخروج بهذا السفر ليقرأه الإنسان، مع إدراكي يقيناً بأنه سيثير العديد من التساؤلات والنقاشات، وربما النقد، غير أنه والحمد لله، تم طرح الكتاب عبر العديد من الندوات والأمسيات والمحاضرات والجامعات وأماكن أخرى مختلفة، ولم أجد أي اعتراض أو نقد له.

وهذا البحث يدعم الأخوة الإنسانية، وبالتالي يجعله مساهمة عربية لم يتم التطرق إليها عربياً من قبل، كون العرب ظلوا يكتفون بما يرد في الكتاب والسنة النبوية، ولذلك، وكما قال د. عبدالله عساف، فإن «جذور» يعتبر مظلة جديدة لها نموذج علمي مستقل، لم تعارض فيه الدين أو التطور العلمي المادي في التقنيات والوسائل.

من هنا، فإن «جذور» ليست له علاقة بأصل الإنسان، كما أنه ليس في صراع مع الأحكام الشرعية الدينية أو حتى نظرية التطور، كما سبقت الإشارة.

منطلقات المشروع

– وما المنطلقات التي انطلقت منها لانجاز هذا المشروع؟

انطلقت من كوني منفتحا على الجميع، إذ لم أتقولب في قالب معين، سواء كان قالباً فكرياً أو سياسياً، أو اجتماعياً، إذ إنني منفتح دائماً على الحقيقة والبحث. كما أن التنوع الذي شهدته نشأتي العائلية، ومحضنها لي، جعلني منفتحاً على جميع التيارات والاتجاهات، الأمر الذي أوصلني إلى «جذور»، في ظل حرصي على عدم الانغلاق على منهج بعينه، ما جعل فكري منظماً.

– وما الفائدة التي يمكن أن تعود على دول الخليج العربية، جراء انجاز مشروع «جذور» ؟

هذا المشروع يقول للعالم أهلاً بكم في الوطن الأم، كما أنه يعد إسهاماً علمياً عربياً إنسانياً، ومساهمة في إثراء العلوم الإنسانية، كما يمكن أن يكون من مخرجاته خطاباً ثقافياً، يمكننا من تحقيق التواصل مع العالم، كون الخطاب الديني في عصر الانفتاح لم يعد هو الأنسب، بعدما أصبح خطاب الأمم خطاباً ثقافياً، ما يجعل الخطاب الثقافي والمنتجات الثقافية لغة العصر، ما يفرض على دولنا اليوم ضرورة السباق مع الزمن لتحقيق السياحة الثقافية، والتي هي الأقوى نمواً في العالم.

لذلك، فإنه انطلاقاً من «جذور» نكون بذلك قد وضعنا أيدينا على قصتنا وحكايتنا، على عكس حكايات أخرى مختلقة، يروجها البعض حول نفسه، بالادعاء حول أرض يحتلها، علاوة على أن هناك دولاً وشعوباً تسعى إلى نسج حكاية وقصة حول الوطن الأم.

من هنا، تكمن أهمية أخرى لمشروع «جذور» في البحث عن الوطن الأم، وكذلك أهميته على الصعيدين الإنساني والوطني، كون مشروعنا يدعم الهوية، ويربط الإنسان بها، وكذلك بالأرض، ما يجعله مشروعاً أيضاً يربط أبناء الجزيرة الذين خرجوا منها بوطنهم الأم.

فكرة «جذور»

– وما الفكرة التي يسعى «جذور» إلى تقديمها للمتلقي في العالمين العربي والغربي؟

أردت التأكيد على أن مشروع «جذور» خطاب عولمي يخاطب العالم الحديث بلغة ومنطق حديث، ويقدمنا كخليجيين وكعرب بلغة يفهمها العالم، وذلك بلغة مختلفة عن تلك السائدة، ولذلك يساهم المشروع في إثراء العلوم الإنسانية، وتحقيق التواصل الإنساني، والدفع بمنتجات ثقافية، ولذلك يدعو «جذور» إلى الأخذ بقوة الثقافة، كونها قائمة على الحكاية، كما أنه يقدم قصة ليست لدى الآخر، وتكمن أهميتها أنها ذات ارتباط بواقعنا وأرضنا، وهو ما يسلحنا بقوة ثقافية، تمكننا من استخدامها في كل الاتجاهات.

– في هذا السياق، هل تتجه إلى ترجمة الكتاب إلى لغات عالمية مختلفة، ليطلع القارئ العالمي على هذا الإسهام العربي غير التقليدي؟

هنا، أذكر أن «تشارلز ج هابرل»، أستاذ اللغات بجامعة نيوجيرسي الأمريكية، سبق أن أشاد بكتاب «جذور»، كونه يقدم الخليج العربي محضن الإنسان الأول، وأكد أنه كتاب جدير بالترجمة، ويتعامل مع النظريات العلمية بسلاسة وربط فكري متشعب مكن صاحبه من توظيف التراث الديني في نظريته.

وحقيقة، في بداية المشروع أردت أن أخاطب الأنا في منطقتنا، لتكون بعد ذلك انطلاقة أخرى، منها كتاب نواته «منازلنا الأولى»، لتكون فكرته إبراز الوطن الأم عبر التاريخ، ما يجعل هذا الكتاب هو التالي لمشروع «جذور»، بعدما تبلورت الفكرة.

عالمية الثقافة

– هل يعني هذا أن الكتاب تجاوز فكرة الإصدار التقليدي إلى كونه أصبح مشروعاً، يحمل اسم وفكرة وأهداف «جذور»؟

نعم، الحالة هذه بالضبط، ولذلك هناك عبارة أرددها دائما بأن «جذور» مشروع يتجاوز فكرة وهدف كتاب، وأنه يؤكد أهمية تعامل العرب مع العالم بمنطق العلم والثقافة، بعدما انتقل العالم من ثقافة القوة إلى قوة الثقافة.

وحينما نتحدث هنا، ونحن في الدوحة، فإننا نؤكد أنها أصبحت من أبرز العواصم الثقافية البارزة عالمياً في هذا الشأن، ما يعكس أهمية الثقافة وعالميتها، وبالتالي أتصور أننا اليوم أمام سلاح يمكننا توظيفه سياسياً، وهو الثقافة، لنجعلها قوة ناعمة، باعتبار الخطاب الثقافي يفتح مجالات لمشروعات عديدة.

مشاريع «جذور»

– هل سينبثق عن مشروع «جذور» مشاريع أخرى مماثلة، بعدما تبلورت الفكرة، كما ذكرتم؟

– «جذور» أصبح نواة لجهد مؤسسي، يجب أن يتطور، وأرجو أن ينبثق عنه مشروعات أخرى، منها مشاريع إعلامية بتحويلها إلى سلسلة إعلامية وثائقية، كما نسعى إلى توظيف «جذور» في صورة فيلم سينمائي، يحكي القصة، علاوة على كتب أخرى تنبثق عن المشروع تتناول الحضارات والهجرات القديمة، ما يعني أن هناك منظومة، بعدما أصبح الكتاب مشروعاً.

غير أننا بحاجة فقط إلى مظلة مؤسسية تتبنى هذا المشروع، ليكون هناك من يحتضنه، خاصة أن الجهد الفردي يظل محدوداً، ولذلك فإنه حال تحوله إلى عمل مؤسساتي، فإن مخرجاته ستكون أسرع وأنضج، وسيكون منها مشروعات أخرى كبيرة، ويحوله إلى واقع.

 

المصدر : قطر نيوز

إغلاق