أخبارتاريخ الدول
ما قصة “الجد المحبوب” الأوفر حظاً بأن يحكم إندونيسيا ذي الماضي الدموي؟
هنأ الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو وزير الدفاع برابوو سوبيانتو بعد إحصاء غير رسمي.
وأظهرت الإحصائيات الأولية فوز القائد السابق للقوات الخاصة في الانتخابات الرئاسية التي جرت هذا الأسبوع في جولة واحدة من التصويت.
نائب برابوو هو الابن الأكبر لجوكوي، جبران راكابومينغ راكا، الذي من المقرر أن يصبح أصغر نائب رئيس في البلاد في تاريخ إندونيسيا.
وكان برابوو (72 عاما) قد أعلن من قبل “انتصارا لكل الإندونيسيين”.
عمليات فرز الأصوات من قبل مؤسسات استطلاع مستقلة – كانت دقيقة في الماضي – أظهرت أنه حصل على ما يقرب من 60 في المئة من الأصوات.
كان اسم برابوو سوبيانتو يثير فزع الإندونيسيين في مرحلة ما من تاريخ البلاد.
ولكن يبدو أن للناخبين الشباب في الوقت الراهن رأي آخر، إذ تسحرهم الشخصية الجديدة التي رسمها وزير الدفاع السابق لنفسه ببراعة. فقد تحول القائد السابق للقوات الخاصة – الذي تلاحقه مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان وحالات اختفاء – إلى جدٍ لطيف تستخدم شخصيته في إعداد المزح المضحكة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال ألبرت جوشوا، أحد الناخبين الشباب الداعمين لبرابوو سوبيانتو ويبلغ من العمر 25 سنة: “لقد أصبح أكبر سنا، لكنه يحتضن جيلي”.
ويسعى برابوو ، 72 سنة، إلى خلافة جوكو ويدودو، الذي يتمتع بشعبية كبيرة في البلاد، عبر السباق الرئاسي الذي تشهده ثالث أكبر ديمقراطية على مستوى العالم الأربعاء. وتعهد الوزير السابق بمزيد من الاستقرار والتنمية الاقتصادية التي بدأها ويدودو، أو جوكوي كما يطلقون عليه في البلاد، على مدار عقد من الزمن قضاه في السلطة.
وأشارت استطلاعات الرأي إلى تقدم برابوو حتى الآن على منافسيْه الأصغر سنا غانجار برانوو وأنيس باسويدان، وكلاهما في الخمسينيات من العمر. كما يتمتع هذان المرشحان بخبرة في إدارة شؤون المقاطعات الإندونيسية الرئيسية. كما يركزان في الحملات الانتخابية على الأمن الوظيفي، والبُنى التحتية، والدور الدبلوماسي الأكبر لإندونيسيا.
ويتحالف المرشح الأوفر حظاً للرئاسة الإندونيسية برابوو سوبيانتو مع جبران راكا بومينغ راكا، الابن الأكبر للرئيس الحالي، الذي يعتبره الكثيرون في البلاد منحة غير معلنة من رئيسهم الذي لم يعلن دعمه لأي من المرشحين للرئاسة أو غيرها من المناصب، بمن فيهم مرشح حزبه السياسي.
لكن تولي برابوو الرئاسة يثير قلق الكثيرين الذين يقولون إنه لم يُحاسب قط على اختطاف وقتل ناشطين داعمين للديمقراطية من الطلاب منذ عقود.
وقالت ناخبة شابة، لم ترغب في الكشف عن اسمها، إنها “مرعوبة” من احتمال فوزه، مؤكدة أنه “إذا كان من المشاركين في إسكات الأصوات في الماضي، فسوف يتمكن من إسكاتها إذا تم انتخابه”.
وقالت إن “اللطافة نادرا ما تؤدي إلى صناعة زعيم شرعي، فإذا كنت تعتقد أن هذه هي الطريقة التي تختار بها زعيماً، فيمكنك أن تنتخب الهررة”.
فرقة “جيموي” لمحبي القطط في إندونيسيا
تلعب القطط أيضاً دوراً هاماً في حملة برابوو على وسائل التواصل الاجتماعي. فبرابوو لديه قط ضال بلون بني وأبيض يُدعى بوبي له حساب منسق جيدا على موقع التواصل الاجتماعي عبر الصور إنستاغرام، والذي يصف عبره المرشح الرئاسي بأنه “وطني”.
وهناك أيضا مقاطع فيديو على موقع الفيديوهات القصيرة تيك توك يظهر فيها برابوو وهو يقوم بحركته المميزة – وهي تحرك مثير للإحراج على خشبة المسرح – ومقاطع يطلق فيها القلوب على الجمهور بينما يردون عليه بالمثل. كما أطلق عليه جمهوره لقب “جيموي” الذي يستخدم في وصف كل الأشياء الرائعة المحببة إلى الناس في إندونيسيا.
وكانت وسائل التواصل الاجتماعي هي حجر الزاوية في الانتشار والشعبية التي حصل عليها القائد السابق للقوات الخاصة في إندونيسيا. ويمثل جيل الألفية والجيل” Z” أكثر من نصف الناخبين في إندونيسيا البالغ عددهم 205 مليون ناخب – كما أن هذه الفئة العمرية تمثل أكثر من نصف مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في إندونيسيا البالغ عددهم 167 مليوناً.
وأنفقت حسابات برابوو الرسمية على فيسبوك والحسابات التابعة له حوالي 144 ألف دولار على الإعلانات خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وفقا لبيانات شركة ميتا، وهو ما يعادل ضعف ما ينفقه برانوو وثلاثة أضعاف ما ينفقه باسويدان.
وقال المعلق يويس سي كيناواس، وهو زميل جامعة أتما جايا: “نادراً ما أرى الصورة الحقيقية لبرابوو”.
إلى جانب الإنترنت، تمتلئ غرف الرسم والشوارع بملصقات لبرابوو كشخصية كرتونية بدينة. ويقول كيناواس إن هذه “الصورة الرمزية” الجديدة منتشرة في جميع أنحاء إندونيسيا، مرجحا أن “هذه هي الطريقة التي يضفون بها على صورته قدرا من اللطافة، وهو ما يحقق نجاحا كبيرا للغاية حتى الآن”.
وقال متحدث باسم حملة برابوو إنهم كانوا يحاولون فقط جذب الشباب من خلال حملة “مرحة”. وقال ديديك برايودي لبي بي سي: “يمكن توصيل الأفكار السياسية بأساليب مختلفة… وهذا ليس بالأمر السيئ”.
الجيل “Z”
قالت الناخبة من الجيل “Z” راهايو سارتيكا ديوي إنها خطط برابوو لتطوير قطاعي الطاقة المتجددة والزراعة تستهويها. ووصفت الحملة بأنها “لطيفة جدًا وممتعة وودودة… وليست ثقيلة للغاية كما في السنوات السابقة”.
وترشح برابوو للرئاسة من قبل وخسر في عامي 2014 و2019، لكن هذه الحملة كانت مختلفة بشكل ملحوظ.
وقالت إيف واربورتون، مديرة معهد إندونيسيا التابع لجامعة أستراليا الوطنية: “المنطق هو أن خسائر برابوو كانت، بصفة جزئية على الأقل، بسبب صورته كرجل قوي وأسلوبه المثير للجدل الذي أدى إلى نفور قطاعات من الناخبين منه”.
قاعدة الجنرال سوهارتو
يستهدف برابوو جيلاً لا يتذكر الوقت الذي وصل فيه إلى ذروة قوته في عهد الجنرال الدكتاتوري سوهارتو، الذي أُجبر على ترك منصبه في عام 1998 بعد 32 عاماً من توليه السلطة. وينسب الكثير من الإندونيسيين لهذه الفترة الفضل في تحديث البلاد، لكنهم أيضا يتذكرون أنها كانت حافلة بالقمع الوحشي وإراقة الدماء.
وبعد مرور خمسة وعشرين سنة، يقول الناخبون الشباب إنهم يفضلون الحكم على برابوو على أساس كيفية تعامله مع البطالة وتكلفة المعيشة، إذ تضمنت وعوده الانتخابية توفير 19 مليون وظيفة جديدة خلال السنوات الخمس المقبلة.
وقال جوشوا: “أعرف نشطاء لا يزالون يتكلمون …. لكن دون إحراز تقدم يُذكر”.
ونفت حملة برابوو هذه المزاعم، على الرغم من فصله من الجيش لدوره المزعوم في اختفاء النشطاء. وفي عام 2014، قال لقناة الجزيرة إنه أمر باختطافهم، لكنه لم يفعل ذلك إلا بناء على أوامر رؤسائه.
وفي الأشهر الأخيرة، ظهرت مقاطع فيديو لأشخاص يذرفون الدموع ويعربون عن تعاطفهم معه، زاعمين أنه “كان ضحية خصومه”. وكان من بينهم الكثير من الشباب وسط شكوك أبداها مراقبون للانتخابات في ما إذا كان هؤلاء مؤيدين حقيقيون للمرشح الرئاسي.
وقالت ديوي إن ترشيحه للرئاسة هو “دليل” على أنه تخلص من هذه الاتهامات.
عودة غير عادية
ولد السيد برابوو لعائلة سياسية ثرية، وهو ابن خبير اقتصادي مشهور خدم في الحكومة الإندونيسية.
وسار المرشح الرئاسي على خطى والده، الذي غادر البلاد عام 1957 وسط جدل أُثير حوله في ذلك الوقت، وقضى عقداً من طفولته في المنفى في أوروبا.
وبعد عودته إلى وطنه، انضم إلى الجيش وسرعان ما وصل إلى رتب عالية ليتولى قيادة القوات الخاصة الإندونيسية “كوباسوس”.
وواجه بعدها اتهامات بانتهاكات حقوق إنسان في تيمور الشرقية المضطربة، حيث كان يعمل كعضو في الوحدة. لكن لا يوجد ما يثبت دوره في العمليات العسكرية في الإقليم، والتي أودت بحياة المئات. ورغم نفيه التورط في هذه الممارسات، تظل تلك الاتهامات نقطة سوداء في سجل حياته المهنية.
وتزوج المرشح الرئاسي إحدى بنات سوهارتو وظل في الدائرة الداخلية للديكتاتور الإندونيسي. ومع انهيار حكم سوهارتو في أواخر التسعينيات، اتُهمت القوات الخاصة الإندونيسية باختطاف أكثر من عشرين من النشطاء الطلابيين لمعارضتهم النظام. ولا يزال ما لا يقل عن اثني عشر منهم في عداد المفقودين ويخشى أن يكونوا قد لقوا حتفهم. كما زعم الناجون منهم أنهم تعرضوا للتعذيب.
وصدر قرار بتسريح برابوو من الجيش، وذهب إلى المنفى الاختياري في الأردن. كما أُدرج على القائمة السوداء في أستراليا ومُنع من السفر إلى الولايات المتحدة.
لكنه عاد إلى البلاد في 2019، عندما عينه ويدودو وزيراً للدفاع، مما حول منافسيه إلى حلفاء له. وجاءت هذه الخطوة المفاجئة في أعقاب هزيمة مرة في الانتخابات، حيث ألقى برابوو باللوم في خسارته على التزوير والاحتجاجات العنيفة التي خلفت ثمانية قتلى.
وتساءلت سوسيواتي، أرملة أحد المحامين البارزين في مجال حقوق الإنسان: “كيف نتوقع العدالة إذا أصبح الجاني رئيسا؟”. وقضى منير سعيد طالب، زوجها، معظم حياته في التحقيق في حالات الاختفاء التي وقعت عام 1998، واغتيل عام 2004 على متن طائرة. وأُدين الطيار بقتله، لكن سوسيواتي لا تعتقد أن هذه هي القصة الكاملة.
وقالت إن رئاسة برابوو “ستكون هزيمة غير عادية لنا ولأسر الضحايا ونشطاء حقوق الإنسان”.
ويرى البعض أن دعم ويدودو ساعد في تحسين صورة برابوو. وأضاف كيناواس أن وسائل التواصل الاجتماعي “ليست كافية”، و “لا ينبغي الاستهانة بالطريقة التي دعمت بها أجهزة الدولة حملته”….
ويركز كثيرون على مزاعم بأن حليف برابوو في الانتخابات وابن الرئيس المنتهية ولايته ويدودو اعتمد على المحكمة الدستورية، حيث يشغل صهر ويدودو منصب رئيس المحكمة، التي مهدت الطريق بشكل مثير للجدل أمام الشاب البالغ من العمر 36 عاما للترشح لمنصب نائب الرئيس حيث يشترط القانون الإندونيسي أن يكون أكبر سناً.
ويخشى كثيرون أيضاً عودة “برابوو العجوز”، المعروف بمزاجه الحاد وشخصيته المتقلبة.
وقالت إيف واربورتون إن بعض الإشارات إلى تلك الخصال ظهرت أثناء عدد من الأحداث الانتخابية التي ظهر فيها المرشح الرئاسي في الفترة الأخيرة. وأضافت: “لا أحد يعرف كيف سيحكم برابو. قد يكون رئيساً لا يتدخل كثيراً في شؤون الحكم ويهتم أكثر بالهيبة وأبهة المنصب؛ لكن معظم الذين يعرفونه جيدًا يؤكدون على شخصيته التي لا يمكن التنبؤ بها، وهو ما لا يصب في صالح الحكم أبداً”.
المصدر : BBC NEWS