أخبار

الخلافة الأموية في الأندلس

الأندلس الأندلس، اسم أطلقه المسلمون على شبه الجزيرة الأيبيرية في الفترة ما بين أعوام 711 و 1492، وقد تأسست بداية كإمارة في ظل الخلافة الأموية، ثم تبعهم عليها ملوك الطوائف، ثم وحّدها المرابطون والموحدون، قبل أن تنقسم إلى ملوك طوائف مرة أخرى، وانتهى حكم المسلمين فيها نهائية بدخول فرناندو الثاني ملك الأسبان مملكة غرناطة في 2 يناير 1492. اسم الأندلس يقابل فاندالوسيا المشتقة من الوندال التى كانت تطلق على الإقليم الروماني المعروف باسم باطقة واحتلته قبائل الوندال الجرمانية، ويسميهم الحميري الأندليش. ويرى البعض أنها ترجع إلى أندلس بن طوبال بن يافث بن نوح. أما هذه المقالة، فإنها ستتناول موضوع الخلافة الأموية في الأندلس، بصفتها أول خلافة إسلامية فيها بعد فتحها.[١] الخلافة الأموية في الأندلس فُتحت الأندلس عام 92 هـ – 711م، بحَملةٍ عسكريَّة قادها المُسلِمُونْ تحت راية الدولة الأُمويَّة ضدَّ مملكة القوط الغربيين المَسيحيَّة في هسپانيا، بجيشٍ مُعظمه مِن البربر، بقيادة طارق بن زياد الذي نَزل المنطقة التي تُعرف الآن بِجبل طارق، ثُمَّ توجَّه شمالًا حيثُ هزم ملك القوط لُذريق (رودريك) هزيمةٌ ساحقة في معركة وادي لكة. واستمرت حتى سنة 107هـ – 726م.[٢] وفي هذا الوقت ظلّت تحت حكم الخلافة الأموية في دمشق بوصفها واحدة من الولايات التابعة للحكم الأموي لما يقارب أربعين عامًا، وبعد أن سقطت دولة بني أمية فرّ عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك المعروف صقر قريش إلى الأندلس، وأسس الخلافة الأموية في الأندلس بشكل مستقل عن الخلافة العباسية التي كانت قائمة حينها، واستمرت هذه الخلافة ما يقارب ثلاثة قرون من الزمن، وبحسب المؤرخين فإن الخلافة الأموية في الأندلس قامت عام 138 للهجرة وانتهت عام 422 للهجرة.[٣] كانت الأندلس بوصول عبد الرحمن الداخل تعيش حالة من الاضطراب السياسي والتمزق الاجتماعي، نتيجة الصراعات بين الفاتحين من المشرق والمغرب، وساد فيها الحكم القبليَّ، فخاض عبد الرحمن الداخل العديد من المعارك أهمها معركة المصَّارة التي وقعت في منطقة قرب قرطبة، واستطاع فيها هزيمة القيسيين، وبويع بعدها أميرًا لمنطقة الأندلس، ودام حكمه عليها حتى عام 172 للهجرة. وكان أول ما عمل عليه منذ توليه حكمها عام 138 للهجرة، تغيير نظامها الداخلي، فتحول نظام الحكم فيها من نظام قبلي إلى دولة يسودها الحكم الشخصي، فعمل على الإطاحة بزعامات القبائل القيسية، واليمانية، وساعده في ذلك أعوانه الذين يكنّون له الخضوع والطاعة، ونظّم شؤون الخلافة الأموية في الأندلس.[٣] نتائج قيام الخلافة الأموية في الأندلس كان لفتح الأندلس، وقيام الخلافة الأموية في الأندلس، نتائج إيجابية على الأندلس وأهلها، فقد غيّرَ الفتح أوضاعَ السكان بشكلٍ عامّ، فبعد زوال الحكم القوطي تجمع زعماء القوط في منطقة جيليقية في الشمال الغربي، وتركوا ممتلكاتهم وأموالهم للمسلمين، وأبقى المسلمون على الذين ساعدوهم، فأُعيد يوليان إلى حكم سبتة، وردت إلى أولاد أخيلا أموالهم وممتلكاتهم وضياعهم، كما سمح لبعض النبلاء والإقطاعيين -الذين استغلوا الناس تحت اسم النظام الإقطاعي-، في بعض المناطق بالاحتفاظ بأراضيهم. أما الأراضي التي تركها أصحابها بفعل الفرار أو القتل في المعارك؛ فقد صودرت ووزعت على المسلمين.[٤] ومن نتائج قيام الخلافة الأموية في الأندلس أن أحسن المسلمون معاملة أهل البلاد الذين تعرضوا للاضطهاد في العهد القوطي، فسُمح للمزارعين ممارسة الزراعة على حسابهم، على دفع الخراج، واعتنق كثير من رقيق الأرض والعبيدالإسلام عندما وجدوا فيه التسامح الذي كانوا ينشدونه، ودان بالإسلام عدد كبير من أهالي الطبقات الدنيا عن إيمان ثابت. كما سمح المسلمون لليهود، الذين أعانوهم في عملية الفتح، بامتهان التجارة وأمنوهم على أنفسهم وأموالهم وأولادهم، ومنحوهم حرية التملك، وعمل كثير منهم في العلوم والآداب والطب والفلسفة، فكانوا أكثر الطوائف استفادة من الفتح.[٤]

ومن نتائج قيام الخلافة الأموية في الأندلس من الناحية الاجتماعية، أن مصادرة ممتلكات النبلاء، وممتلكات الكنيسة، أدت إلى زيادة عدد صغار المزارعين زيادة ملحوظة؛ فكان الفتح الإسلامي وقيام الخلافة الأموية في الأندلس خيرًا على إسبانيا، فقد أحدث ثورة اجتماعية، وقضى على مساوئ العهد القوطي التي كانت البلاد ترزح تحتها منذ عدة قرون.[٤] خصائص الخلافة الأموية في الأندلس تميزت الخلافة الأموية في الأندلس بمجموعة من الخصائص التي ظهرت من خلالها الطريقة التي كان يتم بها إدارة شؤون الدولة، وما كانت عليه من مظاهر خاصة، فبداية كانت قرطبة عاصمة للدولة الأموية في الأندلس، ثم تحولت الخلافة الأموية في الأندلس بإعلان عبدالرحمن الناصر لدين الله نفسَه في ذي الحجة 316 هـ/يناير 929م خليفة قرطبة بدلا من لقبه السابق أمير قرطبة، وهو اللقب الذي حمله الأمراء الأمويون منذ أن استقلّ عبد الرحمن الداخل بالأندلس.[٥] وكان من خصائص الخلافة الأموية في الأندلس اتخاذ الأمويين البياض شعارًا لهم، واحتجابهم عن الناس بشكل كبير، وتوريث الخلافة فيما بينهم. كما تميزت الدولة الأموية في الأندلس بنشاط تجاري وثقافي وعمراني ملحوظ، وأصبحت قرطبة أكثر مدن العالم اتساعًا بحلول عام 323 هـ/935م، وشهدت الخلافة الأموية في الأندلس تشييد الكثير من روائع العمارة الإسلامية في الأندلس، ومنها الجامع الكبير في قرطبة الذي يعد من أشهر المعالم الإسلامية في الأندلس، كما شهدت فترة حكم الأمويين نهضة في التعليم العام، جعلت عامة الشعب يجيدون القراءة والكتابة، في الوقت الذي كان فيه علية القوم في أوروبا لا يستطيعون ذلك.[٥] وقد استمرت الدولة الأموية في الأندلس رسميًّا حتى عام 422 هـ/1031م، حيث سقطت الخلافة وتفككت إلى عدد من الممالك بعد حرب أهلية بين الأمراء الأمويين الذين تنازعوا الخلافة فيما بينهم؛ مما أدى بعد سنوات من الاقتتال إلى تفكك الخلافة إلى عدد من الممالك المستقلة.[٥] خلفاء الخلافة الأموية في الأندلس كانت الخلافة الأموية في الأندلس، أول الخلافات التي حكمت شبه الجزيرة الأيبيرية من المسلمين، ثم توالى عليها الحكام من خارج الخلافة الأموية، التي كان عدد خلفائها تسعة عشر خليفة، على النحو التالي:[٥] أمراء قرطبة: وهم عبد الرحمن الداخل 756 – 788، وهشام بن عبد الرحمن الداخل 788 – 796، والحكم بن هشام 796 – 822، وعبد الرحمن بن الحكم 822 – 852، ومحمد بن عبد الرحمن الأوسط 852 – 886، والمنذر بن محمد 886 – 888، وعبدالله بن محمد بن عبدالرحمن 888 – 912، وعبد الرحمن الناصر لدين الله 912 – 929. الخلفاء في قرطبة: عبد الرحمن الناصر لدين الله، بصفته خليفة 929 – 961، الحكم المستنصر بالله 961 – 976، وهشام المؤيد بالله 976 – 1008، ومحمد المهدي بالله 1008 – 1009، وسليمان المستعين بالله 1009 – 1010، وهشام المؤيد بالله، أُعيد تنصيبه 1010 – 1012، وسليمان المستعين بالله، أُعيد تنصيبه 1012 – 1017، وعبدالرحمن المرتضى 1021 – 1022، وعبد الرحمن بن هشام لمستظهر بالله 1022 – 1023، ومحمد المستكفي 1023 – 1024، وهشام بن محمد المعتد بالله 1027 – 1031. أحداث شهدتها الخلافة الأموية في الأندلس شهدت الخلافة الأموية في الأندلس العديد من الأحداث التاريخية المهمة في تاريخ الدولة الأموية ذاتها، وفي تاريخ الدولة الأموية في الأندلس التي حكمت ما يقارب ثلاثة قرون امتدت من 138- 422 هـ إلى 755- 1031م، وكان من ميزة العديد من هذه الحوادث التاريخية، أنها وقعت في في شهر رمضان المبارك، ومنها:[٥] وقعة الربض رمضان 202هـ طغى كان الحكم بن هشام في حكمه في قرطبة، وأوقع الظلم بالكثير من الناس، خاصة العلماء، ولما ضاق أهل العلم من طغيانه واعوجاجه، دبروا ثورة عليه عام 198 هجرية، وفشلت ثورتهم، فأمر الحكم بصلب اثنين وسبعين رجلا منهم؛ فأوقع فعله البغضاء في قلوب العامة، ومع ازدياد ظلم الحكم وجنوده، قام العامة -خاصة سكان ربض شقندة من أهل قرطبة- بثورة أخرى عليه في 13 رمضان 202 هـ، بعد فرض ضرائب باهظة على التجار، فتعرض له العوام وهو يمر من سوق الربض، ولم يتمكنوا منه، فأمر الحكم بالقبض على عشرة من زعمائهم وصلبهم.[٥] نتيجة لهذه الإجراءات التعسفية، استغل الناس مشادة حدثت بين أحد مماليك الحكم وبين حداد يصقل السيوف، قتل على أثرها المملوك الحداد، فزحف الناس إلى القصر، وقاتلوا الحكم وحراسه، وقد بعث الحكم قائده عبيد الله البلنسي وحاجبه عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث في قوة قاتلت الثائرين، وطردتهم من فناء القصر، ثم واصلت القتال حتى دخلت ربض شقندة وأشعلت فيه النار، فتفرق الثائرون، وأحاط الجنود بالثوار وقتّلوهم ونهبوا دورهم لثلاثة أيام متتالية، وفر عدد كبير من أهل الربض.[٥] أمر الحكم بصلب 300 ثائر على النهر، وفي اليوم الثَّانِي أَمر بهدم الربض القبلي للثوار حَتَّى صَار مزرعة، وَلم يعمر طول مُدَّة بني أُميَّة، وتتبع دور الثائرين ضده بالهدم والإحراق، وَبعد ثَلاثَة أَيَّام أَمر بِرَفْع القَتْل والأمان، على أَن يخرجُوا من قرطبة، فلجأ عدد منهم إلى طليطلة، واتجه 15000 منهم إلى الإسكندرية، وَكَانَ مِمَّن هرب من أهل الربض إِلَى طليطلة الفَقِيه يحيى بن يحيى ثمَّ أَمنه الحكم، وطالوت بن عبد الجَبَّار المعافِرِي أحد من لقي مَالك بن أنس، استخفى عِنْد يَهُودِيّ أحسن خدمته ثمَّ انْتقل إِلَى الوَزير الإسكندراني واثقًا بِهِ، فسعى بِهِ إِلَى الحكم وَأمكنهُ مِنْهُ، ورق له الحكم وسامحه على جرأته عليه وإقراره بغضه إياه لظلمه، وَنقص الإسكندراني فِي عين الحكم.[٥] هزيمة الإفرنج بالأندلس أمام عبد الرحمن بن الحكم رمضان 210هـ سير عبد الرحمن بن الحكم سرية إلى ممالك الفرنج في سفح جبال البرنيه، في رمضان لعام 210 هـ، وكان عليها عبيد الله ابن البلنسي، فدخل بلاد الإفرنج، وتردد فيها بالغارات، والسبي، والقتل، والأسر، وقاتلهم حتى انهزموا، وكثر القتل فيهم، وفتحها تلك الممالك فتحًا عظيمًا. كما فتحت جنود عبد الرحمن، بقيادة فرج بن مسرة -عامل جيان- حصن القلعة من أرض العدو، واستمر فيها بالغارات منتصف شهر رمضان. حرب بين موسى بن موسى عامل تطيلة وعبد الرحمن بن الحكم رمضان 228 هـ كان موسى بن موسى من أعيان قواد الأمير عبد الرحمن بن الحكم، وهو العامل على مدينة تطيلة، فوقع بينه وبين بقية القواد حسد وبغض سنة سبع وعشرين ومائتين، فتمرد موسى بن موسى على عبد الرحمن؛ مما اضطر الأخير أن يسير جيشًا إليه بقيادة الحارث بن يزيغ لردعه، فاقتتلوا عند منطقة “برجة”، وقُتل كثير من أصحاب موسى، وعاد الحارث إلى سرقسطة، فسير موسى ابنه “ألب بن موسى” إلى “برجة”، فعاد الحارث إليها وحصرها فملكها وقتل ابن موسى، وتقدم إلى أبيه فطلبه، فحضر، فصالحه موسى على أن يخرج عنها، فانتقل موسى إلى “أزبيط”، وبقي الحارث يتطلبه أيامًا ثم سار إلى “أزبيط”، فحاصر موسى بها فأرسل موسى إلى “غرسية”، وهو من ملوك النصارى ليستعين به على الحارث، فاجتمعا ونصبا له الكمائن في طريقه، وعسكرا له على نهر “بلمسة”، ولما جاء الحارث النهر خرج الكمناء عليه، وأحاطوا به، ووقع بينهم قتال شديد.[٥] أُسر الحارث في هذه الوقعة، فلما سمع عبد الرحمن بن الحكم خبر هذه الوقعة، جهز عجيشًا بقيادة ابنه محمد، وسيره إلى موسى في شهر رمضان من سنة تسع وعشرين ومائتين، وتقدم محمد إلى “بنبلونة”، وقتل فيها “غرسية” وكثير ممن معه، ثم عاد موسى إلى العصيان من جديد على عبد الرحمن، فجهز جيشًا كبيرًا وسيرهم إلى موسى، فلما رأى ذلك طلب المسالمة، فأجيب إليها وأعطى ابنه إسماعيل رهينة، وولاه عبد الرحمن مدينة تطيلة مرة أخرى مصالحةً، فسار موسى إليها فوصلها وأخرج كل من يخافه، واستقر فيها.[٥] سرية لب بن محمد بن لب على ألبة رمضان 291هـ كان لب بن محمد بن لب 907 محاكم تطيلة ولاردة، وأحد زعماء بني قسي، في عام واحد وتسعين ومائتين هاجم ألفونسو الثالث أراضي لب، لكنه أجبر على فك الحصار والعودة، بعدما هاجم لب بقواته ألبة؛ حيث خرج لُبُّ بن محمد إلى بايش من أحواز ألبة، وفتح حصن بايش وما يليه، فلما بلغ ألفونسو دخول لُبّ بن محمد بحصن بايش، ولَّى هاربًا؛ خوفًا من لقائه. سرية محمد بن عبد الملك الطويل على بنلوبة رمضان 299هـ وهو والي “وشقة” من قِبل خلفاء الخلافة الأموية في الأندلس في أواخر القرن التاسع الميلادي في فترة حكم الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، واستطاع أن يكوِّن منطقة حكم شبه ذاتي في موضع ولايته، بعيدًا عن سلطة الدولة الأموية، وتحالف مع بعض أمراء النصارى والمسلمين في الأندلس؛ ليثبت حكمه لمناطق “وشقة” و”بربشتر” و”لاردة” له ولأسرته فيما بعد. وفي رمضان من تسع وتسعين ومائتين قام محمد بن عبد الملك الطويل بغزوة استهدف فيها أراضي نسيبه “غاليندو أثناريز الثاني” في “أراغون”، ثم تحالف مع قوات عبد الله بن محمد بن لب القسوي، لتوجيه ضربة ضد بنبلونة، فحقق بعض الانتصارات، وانتهى إلى حصن البربر؛ فأحرق ما حواليه، وهدم الكنائس، ثم احتل حصنًا من حصونه يعرف بشار قشتيله.[٥] لما عرف أن “سانشو الأول” ملك نافارا تجهز لمقابلته والقدوم إليه؛ خرج في بعض أصحابه متسللًا، وعندما أيقن العسكر بهروب ابن الطويل، تخاذلوا؛ فكان سببًا لانهزام أهل الحصن، ولما بلغ عبد الله بن لب خبر هروبه، وأن ابن الطويل نكص عن ملاقاة سانشو، نزل بمن معه من المسلمين على حصن لوازة من حصون سانشو؛ فقتل جماعة منهم وكر راجعًا، ثم التقى في طريقه ببعض الخيل التي كان فيها سانشو؛ فأوقع فيهم القتل والسبي، رادًّا جيش سانشو عن أراضي المسلمين.[٥] الخلافة الأموية في الأندلس 929م-1031م جعلت الظروف العصيبة التي عاشتها الإمارة الأموية الطامعين في الحكم، يدعمون أية شخصية يرون فيها القدرة على إعادة الإمارة إلى مكانتها السابقة داخليا وخارجيا. فكان عبد الرحمن الثالث أنسب شخص رأوه، وهكذا نفذت إرادة جده الأمير عبد الله الأول أبو عبد الله محمد بن عبدالله دون معارضة الأعمام وبقية أفراد العائلة، وبُويع عبد الرحمن الثالث في قرطبة في اليوم نفسه الذي توفي فيه جده، يوم الخميس في 16 تشرين الأول 912م. وكان لا بد من سحق الثورات والقضاء على زعمائها لاستتباب الأمن، لذلك وضع عبد الرحمن برنامجًا استند إلى مبدأين:[٦] التأكيد على التسامح وإسقاط كافة الجرائم التي اقترفت بحق الدولة في حال إعلان الولاء للسلطة المركزية. الوعيد والإنذار بالقضاء على الثائرين والعابثين من البلاد والمتحالفين مع القوى الأجنبية. وقد وجد عبد الرحمن استجابة من بعض الثائرين، إلا أن عمر بن حفصون وحلفاؤه ظل متجاهلا نداءه، مما دفع بعبد الرحمن إلى تجريد حملات عسكرية لسحقه؛ فهاجمهم في معاقلهم. ثم انتقل للقضاء على إمارة بني حجاج في إشبيلية وبني ذي النون في الثغر الأعلى. وفي عام 929م ضم بطليوس إلى الدولة الأموية، وأعاد طليطلة إليها في آب 932م، كما عادت مناطق الثغر الأعلى وانتهت بذلك النزاعات الددموية التي عاشتها الدولة في تلك الفترة.[٦] في أوائل 929م لقب عبد الرحمن نفسه بأمير أمير المؤمنين، وأضاف إلى اسمه اللقب الشرفي: الناصر لدين الله، واستمر هذا اللقب في عهده وعهد خلفائه من بعده حتى قُضي على دولة الأمويين في عام 1031م، وبهذا خرج عبد الرحمن الناصر عن الأصل النظري للمذهب السني للخلافة، القائل بأن الخلافة بوصفها مؤسسة دينية ودنيوية لا يمكن أن تتجزأ، إلا أنه وضع هذا العمل في موضع الاجتهاد. وأجاز الفقهاء السنة بتعدد الخلافة في حالة وجود مصلحة عامة للمسلمين.[٦] خلف الحكم المستنصر والده عبد الرحمن الناصر لدين الله، وبايعه في اليوم التالي لوفاة والده في قصر الزهراء إخوته وسائر الوزراء ورجال الدولة وكبار قادة الجند. عمل الحكم المستنصر على عدم تغيير القواعد السياسية التي أرساها والده، واستمر على نهجه في الحكم، لكنه لم يكن بحزم والده وقوته، مما دفعه إلى إلقاء العبء على وزيره جعفر بن عثمان المصحفي. فقد واجه بداية حياته السياسية، مشكلة تحديد العلاقة مع الممالك والإمارات النصرانية في شمالي الأندلس، من واقع التقلبات السياسية السريعة لملوكها وأمرائها، وكانت هذه العلاقة تتخذ منذ أواخر عهد عبد الرحمن الناصر طابعًا وديًّا، وبخاصة مع الملك الليوني شانجة، ولكنها انقلبت إلى عدائية بعد وفاته.[٦] تقرب أورديو الرابع منافس شانجة المخلوع من الحكم المستنصر وحصل منه على وعد بمساعدته لاسترداد عرشه، فبادر شانجة فورا إلى إرسال سفارة إلى قرطبة، قابل أعضاؤها الحكم المستنصر، وأبدوا أمامه رغبة ملكهم بالاعتراف بحكمه والتعهد بتنفيذ الاتفاقية التي وقعت مع عبد الرحمن الناصر، فاكتفى الحكم المستنصر بما تعهد به الملك الليوني، الذي نكث مرة أخرى، بعد موت أردونيو، بما تعهد به للحكم المستنصر وتكوين حلف ضده يجمعه مع ملك قشتالة وأمراء نبرة وبرشلونة. ومن جهته نهض الحكم لمواجهة موقف النصارى المعادي في الشمال، فأعلن التعبئة العسكرية في البلاد. وقد حققت الانتصارات الإسلامية الأمان لمناطق الحدود، من واقع فرض الهدنة على الممالك النصرانية، وأرسلت الممالك والإمارات سفارات إلى قرطبة، إما بهدف المساعدة أو لتجديد الصداقة والمودة.[٦] انتقل الحكم المستنصر من قصر الزهراء إلى قرطبة بعد أن أصابه المرض، وعيّن ابنه هشام البالغ من العمر أحد عشر عامًا وثمانية أشهر وليًا لعهده في 5 شباط 976م، فكان أكبر خطأ اقترفه الحكم المستنصر بحق ولده والدولة معًا، مع وجود أمراء أخرين مؤهلين لتولي الحكم؛ فقد فرضت وصاية محمد بن أبي عامر الإلزامية على هشام، فهيمن هذا القائد على مقدرات الدولة، ولم يكن للخليفة هشام غير الاسم، وانتقل حكم الدولة من الأسرة الأموية إلى الأسرة العامرية، وبذلك انتهى حكم بني أمية للأندلس عمليًا بوفاة الحكم المستنصر، وبدأ عهد الأسرة العامرية التي استمدت شرعيتها من حماية الخليفة هشام والحكم باسمه.[٦] تولى محمد بن أبي عامر السلطة، وتوج نفسه بلقب المنصور بالله ونقش اسمه على النقود، وأمر بترديده على المنابر عقب الدعاء للخليفة، ولم يرفض درجة الحجابة، فعرف بالحاجب المنصور. وأمر أن تخضع اللقاءات والمقابلات إلى قواعد صارمة، منها تقبيل يده ومناداته بمولاي، وفي عام 996م ضم إلى ألقابه لقبين آخرين هما السيد والملك الكريم. وفي عام 991م رشّح الحاجب المنصور ابنه عبد الملك لولاية العهد من بعده، وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة، وقلده منصب الوزارة، وهيمنت الأسرة العامرية على مقدرات الخلافة الأموية حتى عام 1009م.[٦] قاد الحاجب المنصور آخر الحملات العسكرية ضد الممالك النصرانية في الشمال في عام 1002م، وأثناء العودة إلى قرطبة مرض وتدهورت صحته عندما وصل إلى مدينة سالم الحدودية. وتوفي في 9 آب، ودفن في صحن قصر هذه المدينة بناء على وصيته.[٦] من علماء الخلافة الأموية في الأندلس عرفت الخلافة الأموية في الأندلس عددًا من العلماء والفقهاء، الذين كان لهم أثر في الحركة الدينية والثقافية في المنطقة، ومنهم الفقيه عبد الملك بن حبيب الذ توفى في رمضان 238 هـ الذي عدّ من أشهر علمائها المسلمين، وهو أبو مروان عبدالملك بن حبيب بن سليمان بن هارون السلمي، قال الذهبي في ترجمته: “الإمام، العلامة، فقيه الأندلس، أبو مروان عبدالملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جاهمة ابن الصحابي عباس بن مرداس السلمي، العباسي، الأندلسي، القرطبي، المالكي، أحد الأعلام”.[٥] صنف عبد الملك بن حبيب كتاب “الواضح” في عدة مجلدات، وكتاب “الجامع”، وكتاب “فضائل الصحابة”، وكتاب “غريب الحديث”، وكتاب “تفسير الموطأ”، وكتابًا في “حروب الإسلام”، وكتاب “فضل المسجدين”، وكتاب “سيرة الإمام فيمن ألحد”، وكتاب “طبقات الفقهاء”، وكتاب “مصابيح الهدى”، وقد ألف عبد الملك كتبًا كثيرة تجاوزت الألف كتاب في فنون شتى كالفقه والحديث والسير والشمائل والتراجم والتاريخ والطب.[٥] وترجع أهمية هذا العالم أن كانت بداية الكتابة التاريخية في الأندلس كانت على يده، فهو يعتبر أقدم مؤرخي الأندلس، وقد تأثر بالكتابات المشرقية، وخصوصًا المصرية، وفي كتابه “التاريخ” التزم بمنهج التأريخ على السنين فيما يتعلق بالأحداث الواقعة في تاريخ الإسلام في المشرق حتى افتتاح الأندلس، والتزم بذكر تاريخ ومدة كل من ولاة وأمراء الأندلس.[٧] نظام الوزارة في الأندلس كان نظام الوزارة أيام الخلافة الأموية في الأندلس يُشبه إلى حدٍّ كبير “التشكيل الوزاري” العصر الحالي، وكان رئيس الوزراء في البداية الخليفة نفسه، ثم تطور النظام، فأصبح الحاجب هو رئيس الوزراء الفعلي. وقد أشار ابن خلدون إلى نظام الوزارة في الأندلس، بقوله: “وأما دولة بني أمية بالأندلس فأبقوا اسم الوزير في مدلوله أول الدولة، ثم قَسَّموا خطته أصنافًا، وأفردوا لكل صنف وزيرًا، فجعلوا لحسبان المال وزيرًا، وللترسيل “البريد” وزيرًا، وللنظر في حوائج المتظلمين وزيرًا، وللنظر في أحوال أهل الثغور وزيرًا، وجُعل لهم بيت يجلسون فيه على فرش منضدة لهم، وينفذون أمر السلطان هناك كلٌ فيما جُعِلَ له، وأُفْرد للتردُّد بينهم وبين الخليفة واحدٌ منهم ارتفع عنهم بمباشرة السلطان في كل وقت، فارتفع مجلسه عن مجالسهم وخصُّوه باسم الحاجب، ولم يزل الشأن هذا إلى آخر دولتهم، فارتفعت خطة الحاجب ومرتبته على سائر الرتب، حتى صار ملوك الطوائف ينتحلون لقبها، فأكثرهم يومئذ يسمى الحاجب ..”.[٨] يدين نظام الوزارة في الخلافة الأموية في الأندلس في وجوده وتنظيمه للأمير عبد الرحمن الأوسط 206 – 238هـ / 822 – 852م، أما قبل ذلك فلم يكن هناك تنظيم حقيقي لهذا الجهاز، فالأمير عبد الرحمن الداخل لم يتخذ الوزراء بل اتخذ مجموعة من المعاونين والمستشارين الذين توسم فيهم الإخلاص والوفاء والكفاءة، واختصهم بمجالتسه وبذل المشورة له عندما يطلب منهم ذلك، ومنهم: أبو عبده حسان بن مالك وابنه عبد الغافر؛ وشهيد بن عيسى بن شُهيد، وثعلبة بن عبيد الجذامي وغيرهم. وذكر ابن الأبار أن الأمير عبد الرحمن الداخل قد استوزر ولديه سليمان وهشام، بالإضافة إلى كل من عبد الله وإبراهيم وحكم أبناء عبد الملك بن عمر بن مروان. وذكر ابن عذاري أن عدد وزراء الأميرهشام الرضا كانوا ثمانية، بينما كان عددهم لدى ابنه الحكم الربضي خمسة وزراء.[٨] عندما جاء عبد الرحمن الأوسط، تطور نظام الوزارة؛ فقسمها إلى عدة وزارات مختلفة، وألزم وزراءه الحضور يوميًا إلى بيت الوزارة الذي خصصه لهم في قصر الإمارة، وذلك من أجل مشاورتهم في جميع أمور الدولة، ومن وزرائه عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث، وعيسى بن شُهيد وغيرهما، ولم يكن لأولئك الوزراء في البداية مجلس خاص بهم يجتمعون فيه فقد كان الأمير يستدعيهم متى شاء، إلا أن الأمير عبد الرحمن الأوسط نظم تواجدهم، وأصبح تنظيمه هذا معمولًا به إلى نهاية الدولة، فألزم الوزراء المجيء إلى القصر كل يوم، والتكلم معهم في الرأي، والمشورة لهم في النوازل، وأفردهم بيتا لهم في قصره، يقصدون إليه ويجلسون فيه فوق أرائك، وبذلك أصبح للوزراء عمل رسمي يزاولونه بشكل يومي، ومجلس خاص بهم، يمارسون فيه أعمالهم كل حسب اختصاصه.[٨] المظالم والخلافة الأموية في الأندلس عرفت الخلافة الأموية في الأندلس وجود بعض المظالم في العصر الأموي، التي كانت سببًا من الأسباب لزوال دولة بني أمية في الأندلس، بالإضافة إلى تغيّر نمط الحياة الاجتماعية في العديد من المدن الأندلسية، خاصة غرناطة، فغرق أهلها في ملذّات الحياة، واتّباع الشهوات، وشهدت حياتهم الكثير من المجون والإسفاف، والابتعاد عن المنهج الصحيح للدين الإسلامي. كل ذلك دفع بالأمويين إلى الإسراف في المظالم والمعاصي، فأدّى ذلك إلى انتهاء الخلافة الأموية في الأندلس، وقيام الطوائف، وتشتت المسلمين، وتسليم أمرهم لحكم بني الأحمر لهم، الذين كانت على يدهم نهاية الدولة الإسلامية في الأندلس.[٩]

المصدر : سطور

 

إغلاق