تاريخ الامريكيتين
كيف يحكم قانون من العصور الوسطى سوق السلاح الأمريكي؟
في انتصار للوبي السلاح في الولايات المتحدة، ألغت المحكمة العليا الأمريكية قانونا في نيويورك يقيد حق حمل السلاح، في أهم حكم للمحكمة بشأن الأسلحة منذ أكثر من عقد.
ويأتي هذا الحكم الذي يوسع حقوق حيازة وحمل الأسلحة وسط انقسامات سياسية عميقة بشأن كيفية معالجة العنف المسلح الذي تفاقم بعد إطلاق النار الأخير في مدرسة ابتدائية في أوفالدي، بولاية تكساس، وفي حادثة أخرى داخل متجر بقالة في بوفالو، في ولاية نيويورك الشهر الماضي.
ووجدت المحكمة أن قانون نيويورك، الذي يطالب السكان بإثبات “سبب مناسب” لحمل أسلحة نارية مخفية في الأماكن العامة، ينتهك دستور الولايات المتحدة.
وفيما قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إنه “يشعر بخيبة أمل شديدة” من قرار المحكمة، الذي قال إنه “يتعارض مع المنطق السليم والدستور وينبغي أن يزعجنا جميعا”، احتفلت الرابطة الوطنية الأمريكية للسلاح بالحكم.
وكان قانون إنجليزي من العصور الوسطى يعود تاريخه إلى ما يقرب من 7 قرون الآن في قلب أهم قضية تتعلق بالأسلحة النارية أمام المحكمة العليا الأمريكية منذ عقد.
وقد نظر قضاة المحكمة العليا التسعة في البلاد في قانون 1328 الأساسي في نورثهامبتون، والذي يعود إلى عهد ملك إنجلترا إدوارد الثالث، وذلك لمساعدتهم على تحديد مدى اتساع نطاق حقوق العديد من حائزي الأسلحة في الولايات المتحدة الأمريكية.
ما هي القضية؟
تقدم روبرت ناش وبراندون كوخ المدعيان في القضية بطلب للحصول على تصريح حمل سلاح مخفي، ولكن تم رفض طلبهما على الرغم من منحهما تراخيص تسمح لهما بحمل أسلحة لأغراض ترفيهية مثل الصيد وممارسة الرماية.
وبدعم من رابطة السلاح في نيويورك التابعة للرابطة الوطنية للأسلحة في أمريكا، قام ناش وكوخ في عام 2018 برفع دعوى قضائية للطعن في دستورية شرط “السبب المناسب” في نيويورك لحمل أسلحة نارية مخفية في الأماكن العامة.
ورفضت محكمة فيدرالية في نيويورك قضيتهم، وهو القرار الذي أكدته محكمة الاستئناف، ما أدى إلى نظر المحكمة العليا في القضية.
وقد حكم القاضي كلارنس توماس، الذي دون الحكم نيابة عن ستة قضاة محافظين يشكلون غالبية أعضاء المحكمة العليا، بأن الأمريكيين لهم الحق في حمل أسلحة نارية “شائعة الاستخدام” في الأماكن العامة للدفاع الشخصي.
واعترض القضاة الثلاثة الليبراليون، إيلينا كاغان وسونيا سوتومايور وستيفن برايرعلى ذلك، مخالفين رأي الغالبية.
وفي رد فعله على الحكم، قال عمدة مدينة نيويورك، إريك آدامز، إنه سيراجع طرقا أخرى لتقييد الوصول إلى الأسلحة، مثل تشديد عملية تقديم الطلبات لشراء الأسلحة النارية والنظر في حظرها في مواقع معينة.
وأضاف قائلا: “لا يمكننا السماح لنيويورك بأن تصبح الغرب المتوحش”.
ما شأن قانون نورثهامبتون الأساسي بالقضية؟
في قضية منفصلة للمحكمة العليا عام 2008 أسفرت عن إلغاء قوانين الأسلحة النارية الصارمة في العاصمة الأمريكية واشنطن، جادل القاضي الراحل أنتونين سكاليا بأن التعديل الثاني لدستور الولايات المتحدة يقنن “حقا موجودا مسبقا” من إنجلترا.
وأضاف أنه بحلول الوقت الذي تأسست فيه الولايات المتحدة عام 1776، كان “الحق في امتلاك السلاح أمرا أساسيا للرعايا الإنجليز”.
ومع ذلك، فقد اختلف بعض المؤرخين مع هذا التقييم، مشيرين إلى أنه بحلول أواخر القرن الثاني عشرأصدرت السلطات الإنجليزية قوانين تقيد الحق في حمل الأسلحة أثناء التنقل في الأماكن العامة أو في العاصمة لندن.
وقد أعلن قانون نورثهامبتون الذي صدر في وقت لاحق من عام 1328، والذي يسبق أول تسجيل لاستخدام سلاح ناري في أوروبا بعدة عقود، أنه لا أحد “باستثناء خدم الملك وفي وجوده .. يسير مسلحا ليلا ولا نهارا في المعارض والأسواق ولا في أي مكان آخر”.
ومن جانبهم، كتب محامو نيويورك إلى المحكمة العليا أنه منذ العصور الوسطى فصاعدا كانت القوانين “تقيد على نطاق واسع حمل الأسلحة النارية وغيرها من الأسلحة الفتاكة”.
وقال ساول كورنيل، أستاذ التاريخ الأمريكي في جامعة فوردهام، إنه يعتقد أنه “من السخرية” أن ينظر المدافعون عن حيازة الأسلحة في الولايات المتحدة إلى إنجلترا كأساس لوجهة نظرهم بشأن حقوق السلاح.
وقال كورنيل لبي بي سي: “كانت إنجلترا مجتمعا هرميا يحتكر فيه الملك القوة والعنف، ولست متأكدا كيف يمكن لأي شخص أن يستنتج أن مثل ذلك المجتمع كان يغذي تلك النظرة التحررية القوية للسلاح”.
وأضاف قائلا: “لا معنى لذلك على الإطلاق لأي شخص يفهم حقا مدى تعقيد التاريخ الإنجليزي، ومن الواضح أن هذا لا يشمل العديد من الأشخاص في مجتمع حقوق السلاح أو العديد من الأشخاص الذين يجلسون في بعض المحاكم في أمريكا”.
ويجادل المدافعون عن حقوق حيازة السلاح بأن قانون نورثهامبتون يُساء تفسيره.
وفي موجز للمحكمة العليا، كتب المحامي بول كليمنت، الذي يمثل ناش وكوخ ورابطة السلاح في نيويورك، أن القانون يهدف فقط إلى السيطرة على “الأسلحة غير العادية” التي من شأنها أن تخيف الناس.
وقال ستيفن هالبروك، المؤلف وأحد مشرعي قانون الأسلحة النارية، لبي بي سي إنه يعتقد أن نيويورك “تحاول إيجاد سابقة لتقييد الحق في حمل السلاح على أساس قانون نورثهامبتون”.
ماذا يمكن أن يكون تأثير هذه القضية؟
قد تكون هناك آثار بعيدة المدى لقرار المحكمة العليا ضد نيويورك في هذه القضية على الولايات التي لديها قيود مماثلة على تراخيص حمل الأسلحة المخفية. فهناك 6 ولايات أخرى لديها قوانين تلزم أصحاب الأسلحة بأن يقدموا “سببا مناسبا” لمثل هذه التصاريح.
ومن المتوقع أن يسمح القرار، الذي يعرض القوانين المماثلة في ولايات مثل كاليفورنيا للخطر، لمزيد من الناس بحمل السلاح بشكل قانوني.
ويعيش حوالى ربع الأمريكيين في ولايات يمكن أن تتأثر إذا تم تغيير قوانينها الخاصة.
ومن بين تلك الولايات نيوجيرسي، جارة نيويورك، التي لديها أحد أكثر قوانين الأسلحة صرامة في الولايات المتحدة.
وقال ماثيو بلاتكين، القائم بأعمال النائب العام للولاية، لموقع نورث جيرسي دوت كوم إن “أي قرار يلغي أو يقيد متطلباتنا طلب تصريح حمل السلاح المخفي سيكون له تأثير كبير على السلامة العامة.. لا شك في ذلك”.
وخلال المرافعات الشفوية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أشار العديد من القضاة إلى استعدادهم لإلغاء أو تقييد متطلبات “السبب المناسب” في نيويورك.
وعلى سبيل المثال، سأل القاضي بريت كافانو المحامية العامة في نيويورك باربرا أندروود: “لماذا لا يكفي القول إنني أعيش في منطقة يسودها العنف، وأريد الدفاع عن نفسي؟”.
وقال هالبروك إنه يعتقد أنه من المحتمل أنه إذا حكمت المحكمة ضد نيويورك “فإن الولايات الأخرى ستضطر إلى مراجعة قوانينها لتتوافق مع هذه القضية الجديدة”.
ومن جانبها، قالت مجموعة إيفري تاون، وهي جماعة مناهضة للعنف المسلح، في بيان إن الحكم يمكن أن يكون له تأثير يتجاوز بكثير التصاريح.
وقالت المجموعة إن الحكم يمكن أن يؤثر في نهاية المطاف على اتخاذ المحكمة العليا لقراراتها بشأن “الإجراءات الأخرى المنطقية مثل التحقق من خلفية الأشخاص في جميع مبيعات الأسلحة، وحظر الأسلحة الهجومية ومخازن السلاح ذات السعة الكبيرة وقوانين العلم الأحمر”.
390 مليون بندقية
يمتلك المدنيون في الولايات المتحدة أكثر من 390 مليون بندقية. وفي عام 2020 وحده، توفي أكثر من 45 ألف أمريكي بإصابات مرتبطة بالأسلحة النارية، بما في ذلك جرائم قتل وانتحار.
وجاء قرار المحكمة الأمريكية العليا في سياق نمط ثابت من الأحكام التي وسعت حقوق حمل السلاح والتي تنص على أن الحق في حمل الأسلحة النارية سواء في المنزل أو في الأماكن العامة مكفول بموجب التعديل الثاني للدستور الأمريكي.
وحتى في ظل عمليات إطلاق النار الجماعي في أوفالدي وبافالو، أيد ستة قضاة في المحكمة العليا تفسيرا واسعا للتعديل الثاني الذي أكدته للمرة الأولى غالبية أعضاء المحكمة في عام 2008.
وكان آخر قرار تاريخي أصدرته المحكمة بشأن السلاح في عام 2010، والذي أكد حق حمل السلاح للولايات والأفراد على حدٍ سواء.
ومع تراكم هذه السوابق القضائية، سيكون من الصعب بشكل متزايد على قضاة المحكمة العليا في المستقبل تغيير المسار وتفسير الدستور على أنه يسمح بفرض قيود أوسع على الأسلحة.
وخلال معارضته، أشار القاضي براير، أحد القضاة اللبراليين الثلاثة، إلى أن عنف السلاح أودى بحياة عدد كبير من الأرواح في الولايات المتحدة هذا العام.
وقال براير: “منذ بداية هذا العام (2022) وحده، تم الإبلاغ عن 277 حادثة إطلاق نار جماعي، بمعدل أكثر من حادث إطلاق نار في اليوم”.
وقبل صدور حكم المحكمة العليا، أعلن مجلس الشيوخ الأمريكي عن خطوات نحو تشريع جديد يقيد الحصول على الأسلحة النارية.
وفي وقت لاحق، أقر المجلس أول مشروع قانون لتقييد حيازة الأسلحة في الولايات المتحدة منذ عقود.
ويفرض مشروع القانون، الذي وافق عليه أعضاء بالمجلس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، قيودا محدودة على حيازة الأسلحة.
ولم يلب القانون جميع مطالب دعاة تقييد حيازة الأسلحة، لكنه وُصف بأنه إنجاز كبير.
وقال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إن القانون سيوفر المزيد من الأمن للأمريكيين، خاصة الأطفال.
المصدر : bbc news