مقالات وبحوث
حقيقة زواج الحسين بابنة كسرى بين الحقيقة والاسطورة
بقلم: د. صباح الموسوي - رئيس المؤسسة الاحوازية للثقافة والإعلام
يرى الكثير من الأدباء والباحثين وأخصائي علم الاجتماع أن الأسطورة دليل لفهم السلوك الإنساني اليومي، وحفظ التوازن والاستقرار في النفوس المضطربة تجاه الأخطار المحدقة بها، وحين تذكر الأسطورة تتبادر إلى الأذهان ، مفاهيم الخرافة ، والأباطيل ، والسحر ، واللامعقول والاهم من كل ذلك ، الماضي ، الذي وقع وتحول إلى مجرد ذكرى .
إلا ان الفقرة الأخيرة من هذه الرؤية قد لا تنطبق على الحركة الشعوبية الذي ماتزال الأسطورة حية عندها و ماتزال تساهم في استمرار فكر هذه الحركة التي تزاوجت مع المذهبية الصفوية لتنشأ مزيج من ” اللافكر” الجديد المبني على دمج القومية بالمذهبية لحماية قيمها التي كانت سائدة و أصبحت بالية بعد الفتح الإسلامي المبارك .
لقد اختارت الشعوبية ” الأسطورة ” كأحد أهم الوسائل لنشر وتثبيت فكرها في أذهان الناس وقد استطاعت إلى حد بعيد من تحقيق غايتها. وما المناسبات ” الوثنية ” التي نشاهد الاحتفاء بها بشكل واسع هذه الأيام , كالقفز على النار (في آخر ليلة أربعاء من كل سنة ) وأخرى تجري في مناسبة عاشوراء وفي آخر شهر صفر(الابتهاج بذكرى مقتل الخليفة الثاني – مناسبة عمر كشي ) وغيرها , ما هي إلا دليل واضح على ان الحركة الشعوبية ماتزال تعمل لإبقاء فكرها حي مقابل حيوية الفكر الإسلامي الذي يتجدد مع الزمان والذي تخش الشعوبية ان يؤدي نهوضه وتجدد حركته إلى القضاء على أفكارها التي ترى فيه مورث ديني ( مجوسي ) وقومي ( آري ) مقدس يجب المحافظة عليه لحماية الهوية الوطنية الإيرانية من الذوبان في كل ما هو عربي و إسلامي.
ومن اجل ربط القومية بالمذهب للحفاظ على الهوية الوطنية فقد أنتجت الحركة الشعوبية واحدة من اخطر الأساطير في سبيل ترويج فكرها وهي قصة زواج الإمام الحسين بن علي عليهم السلام بأميرة فارسية ” من سلالة نقية ” وهي الأميرة” شهربانو” أبنت الملك يزدجرد الثالث آخر ملوك الساسانيين الذين هد الله ملكهم على يد العرب المسلمين .
ولكي تستطيع تحقيق أهدافها فقد سلكت الحركة الصفوية طريقة الحركة الشعوبية في ترويج فكرها بين الناس تحت ستار المذهبية, ولكي يتحقق لها ذلك فقد أدخلت آل بيت النبي (ص) في صلب عقيدتها من اجل بناء نهضة شعوبية – شيعية تحول التشيع الوحدوي إلى تشيع تفرقه ومن خلال هذا التشيع أعطت روحا ودفئا للشعوبية.
ولتحقيق هذا الهدف وضعت خطة عميقة و ذكية تقوم اولا على إظهار النبي ( صلعم) والإمام علي بمظهر القوميين المتعنصرين للسلالة والأسرة ومؤمنين بنقاوة الدم والعرق , و تبجيلهم للعنصر الفارسي ( و منه على وجه الأخص الأسرة الساسانية ) وذلك من خلال عدد من الروايات و الأحاديث اختلقها رواة شعوبيين . حسب رأي الدكتور علي شريعتي
فالرواة الشعوبيين الذين اختلقوا هذه الأسطورة ( زواج الحسين من شهربانو) أصبحوا فيما بعد مصدرا ينقل عنه كبار مراجع الشيعة , الكافي , الصدوق , المفيد , وهؤلاء الرواة هم .
1- النهاوندي , إبراهيم بن إسحاق , ابو إسحاق ألأحمري النهاوندي , (م 269هـ) من الشيعة الشعوبيين , وهو شعوبي عامي أكثر منه عالم شيعي , و في المصادر الشيعية متهم بضعف الحديث , الغلو , و التدليس في المتون وسند الروايات والخلط , وهو من العناصر التي سعت في نشر روايات الشعوبية في الوسط العلمي والعامي الشيعي . ( النجاشي /ص 14) .
2- عمرو بن شمر , ابو عبد الله الجعفي , وهو من سواد فيلق الغلو الشيعي , عايش عددا من الأئمة . متهم من قبل أصحاب الأئمة انه ممن يصطنعون الأحاديث و يسطو على روايات الآخرين لاسيما روايات جابر بن يزيد بن حارث الجعفي .
ومع ذلك فان اسم هذا الرجل بقى يتردد في كثير من اسناد وروايات الشيعة على الرغم من ان جناح الأصوليين ومنذ البداية اهتم بنقد وتجريح رواياته إلا ان جناح الإخباريين عمد إلى توثيقها.
ويعتقد أن سبب اعتماد روايات ” عمرو بن شمر ” في سلسلة المصادر والأسانيد الأسطورية الشيعية هو كثرة النقل عنه واشتهاره في وسط العوام من الشيعة حيث كان يجمع الأساطير والأوهام والأكاذيب و يوضعها في غالب الروايات ويقوم بنشرها. ( النجاشي / ص204) .
فجناح المحدثين من الشيعة الذين ليس لهم ميل إلى النقد والتجريح فإنهم قبلوا بروايات ” عمرو بن شمر” على علتها وان الشيخ ( الصدوق ) الذي يعد إمام المحدثين الشيعة على ما يبدوا انه
كان واقعا تحت تأثير كثرة النقل واشتهار روايات الشعوبية ولهذا كان يخالف النقد والتجريح لأياً من روايات عمرو بن شمر .( مستدرك 3/580+الخوئي /معجم الرجال 13/106ش8922).
وقد وصف آية الله ابو القاسم الله الخوئي وهو من كبار مراجع الشيعة وله باع طويل في علم الرجال وصف ” عمرو بن شمر” بأنه شخص مجهول الهوية وضعيف السند .( المعجم 13/ 106).
3-عُبَيد بن كُثَير بن محمد الكوفي : تـُمار من أهل الكوفة توفى سنة 294هـ يروي عن الإمام علي بن الحسين السجاد وعن ابنه الإمام محمد الباقر وكان من واضعي الحديث , ويقول عنه النجاشي أنه كان يصطنع الروايات وكان يجمع ألأكاذيب والأساطير على شكل روايات ويقوم بنشرها بين العوام من شيعة العراق وإيران.( النجاشي 162-163+جامع الرواة 1/527,528).
أذن هؤلاء هم رواة أسطورة زواج الإمام الحسين بابنت يزدجرد الثالث ملك الفرس ” شهربانويه ” .
وأسطورة الزواج هذه تبدأ حسب ما يرويها صاحب كتاب البصائر ” محمد بن حسن الصفار” بسند عن الرواة انفي الذكر , كانت أبنت يزد جرد مظهر ومثال حقيقي ” للفرهة الايزدية ” ( الهيبة الإلهية ) وهي حامية وحافظة لعظمة وأبهة قيم الملكية الساسانية. فلما دخلت المدينة خرجن بنات المدينة صفا لرؤيتها وقد أضاء المسجد من شعاع نور وجهها وهنا قد تغلب نور ” الفرهة الايزدية ” على نور” النبوة المحمدية ” .
المجلسي الذي نقل هذه الرواية في البحار في / ج 49 ص 9. حور في جملة واحدة من الرواية فقد أبدل كلمة مسجد بمجلس وذلك مراعاة للعامة.
ثم يسترسل الراوي شارحا عملية خطبتها من قبل الإمام علي في حضور الخليفة عمر بن الخطاب( رض) لابنه الحسين ويتم الزواج وتنجب ” شهربانويه ” غلام ذكر الشعوبيون ان ابو الأسود الدؤلي ( ظالم بن عمرو النوشجاني) صاحب الإمام علي بن أبي طالب انشد فيه البيت التالي. وان غلاما بين كسرى وهاشم – لأكرم من نيطت عليه العمائم”!. وهذا الغلام هو الإمام السجاد علي بن الحسين الذي ذكرت العديد من المصادر الإسلامية ان امه ام ولد خلافا لرواية الشعوبية .
ام الإمام السجاد علي بن الحسين كما وردت في المصادر الإسلامية .
قال البلاذري : أمه ام ولد , تسمى سلافة: الأنساب ج 3 /ص146.
وكانت ام علي بن الحسين سجستانية تدعى سلافة. البلاذري / الأنساب .ج 3/ ص 102,103 .
الخوارزمي… أمه أم ولد أمه سلافة’… المناقب : ص 143.
اليافعي : أمه ام ولد من أسراء بلاد السند. / مرآة الجنان /ج1 /210ص.
وقال اليعقوبي : امه ام ولد من أسراء كابل . تاريخ اليعقوبي : ج3/ص 43.
وقال بن طولون في ألائمة ألاثني عشر : امه سندية يقال لها سلافة . بن طولون /ص 78.
وقال الاربلي في ” كشف الغمة ج2/ص 80 : امه ام ولد اسمها غزالة .
وقال احمد أمين في ضحى الإسلام ج 1/ص 11 : كان أكثر أهل المدينة يكرهون الإماء حتى نشأ منهم علي بن الحسين .
وقال سعد بن عبد الله القمي الأشعري: ام ولد يقال لها سلافة. المقلات والفرق ص 70 /.
وقال ابن سعد في الطبقات : ج 5/ ص 156: ام ولد واسمها غزالة.
هل كان ليزدجرد الثالث بنت اسمها شهربانويه ؟.
حول ما إذا كان فعلا ” ليزدجرد الثالث ” بنت اسمها ” شهربانويه ” ام ان هذه التسمية مختلقة من قبل الشعوبية فان المصادر التاريخية تنفي صحة ذلك .
قال الباحث الإيراني الدكتور سعيد نفيسي في كتابه ” تاريخ ايران الاجتماعي” ج1/ص13″ ان يزد جرد الثالث لم تكون له أصلا بنت باسم ” شهربانو” حتى تأسر في المدائن وتأخذ لعمر لكي تتزوج بالإمام الحسين وتكون أما للإمام السجاد.
كما أن ” يزدجرد” في فترة خلافة عمر ” رضوان الله عليه ” كان عمره خمسة عشر عاما فكيف تسنى ان يكون له بنت بعمر الزواج! .
وقال المسعودي في مروج الذهب أن يزدجرد بن شهريار بن كسرى وهو آخر ملوك الساسانية , كان ملكه إلى ان قتل بمرو من بلاد خراسان وذلك لسبع سنين ونصف خلت من خلافة عثمان بن عفان (رضي الله عنه ) وهي سنة إحدى وثلاثين من الهجرة . وقتل يزدجرد وله خمس وثلاثون سنة وخَلف من الولد بهرام , فيروز , ومن النساء : أدرك وشاهين و مردآوند.: مروج الذهب ج 1/ ص 310- 311. أنتها.
ان هذه القصة بقدر ماهي مختلقة و ضعيفة من الناحية العلمية والتاريخية , إلا أنها من الناحية السياسية كانت صالحة لتحقيق أهداف الشعوبية التي سعت إلى حماية هويتها القومية من الانقراض والذوبان في الهوية الإسلامية . كما ان هذه الأسطورة تكشف لنا عن مدى الاختراق الذي أحدثته الحركة الشعوبية ووليدتها الحركة الصفوية في المذهب الشيعي . و عليه فقد أصبح واجب على المؤمنين بمدرسة أهل البيت التدقيق في الروايات والأحاديث المدسوسة والتي هي مع الأسف تشكل اليوم جز كبيرا من معتقدات المذهب .
وأخيرا يبقى المتسائل حائرا, إذا كان الشعوبيين والصفويين قد حققوا ظالتهم في هذه الأسطورة فما الذي تحقق لنا نحن حين صدقنا بها وماذا سيتحقق لنا إذا ما بقينا مصدقين بالأساطير الشعوبية و الصفوية المماثلة الأخرى ؟.