وصف الكتاب
التاريخ اليهودي العام من القضايا الإنسانية الشائكة والموغلة في الغموض، ذلك لأن هذا التاريخ قد اختلطت فبه وارتبطت عوامل التاريخ الاجتماعي والسياسي، مع معطيات العقيدة الدينية واتجاهات الأخلاق، وافرازات الأدب والفن. ومع أن الديانة اليهودية الحقة كشأن كل الأديان السماوية تقوم في جوهرها على التسامح والمحبة، والخير والإيثار، فضلاً عن الإيمان بالله رب العالمين إلا أن التفسير اليهودي لها والأخذ اليهودي منها انحصر في سلوكيات العدوان، وتزييف قيم الخير، وتحريف روح المحبة، وتشويه قضية الإيمان بالله، فالله في هذا التاريخ اليهودي ليس رب العالمي، وإنما هو: “(يهوه) رب إسرائيل فقط الذي يقرر لهم كل شيء وليس عليهم من شيء، والمحبة قيهم ولهم، وليست بينهم وبين الناس.
لكنه من غير المعقول أن تكون مرحلة من التاريخ اليهودي كهذه منذ عصرك النبوة والرسالة الدينية على يد أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، حتى انتهاء دور النبوة في بيت ولد اسحق بن إبراهيم عليهما السلام بمجيء السيد المسيح عليه السلام وانتقالها إلى بيت ولد إسماعيل بالنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، دون أن تكون فيها بعض جوانب من الحق والخير كأثر من طول المعاناة والتضحيات التي قام بها أنبياء بني إسرائيل.
ومن هنا كانت تلك المهمة العسيرة لمن يلج هذا الباب الطويل وخاصة حين يلتزم بالموضوعية العلمية والتقصي المحقق بأمل أن يميز بين حقائق التاريخ وأباطيله. لعل قراءة التاريخ أن تكون باعثاً لتصور جديد في عالم اليوم الذي تثب فيه القوى اليهودية إلى مقدرات العالم الإنساني ومستقبله لتضع في طريقه قضية هذا التاريخ اليهودي الطويل، في ادعاء يهودي، أن قضية هذا التاريخ، هي أداة المستقبل اليهودي التي لا بديل عنها، حتى لو كان ذلك يكلف العالم مثل تلك الحروب التي ترهق بها القوى اليهودية، شعوب العالم، لتبدأ بالسيطرة على أرض العرب والمسلمين في اتجاه احتلال أوطان الأمم والشعوب الأخرى لإقامة “مملكة إسرائيل”.
ولذا كان على المؤلف لهذا الكتاب أن يبدأ مع قصة الوجود اليهودي منذ عصر النشأة الأولى لآباء بني إسرائيل ويتابع الرحلة في مسار طويل، حتى انتهى بدراسة أوجه الصراع الذي تشنه القوى اليهودية في العالم، ضد الأمم والشعوب، بدءاً بالأرض العربية في فلسطين.
هذا وقد خصص الجزء الأول من كتابه، ليتناول رحلات النبي إبراهيم في المنطقة العربية كلها ما بين العراق والشام ومصر والجزيرة العربية كما درسنا العلاقة التاريخية للنبي إبراهيم عليه السلام بفلسطين. ولما كانت الرحلة إلى مصر، قد كان من بين نتائجها أن أمتزج الدم الأسيوي بالدم الأفريقي في بيت النبوة وذلك باقتران النبي إبراهيم بالسيدة المصرية “هاجر” وظهور النبي إسماعيل عليه السلام، يحمل دم أبيه إبراهيم العربي من العراق، و”هاجر” المصرية العربية في مصر ليكون أباً مباشراً لكل العرب المستعربة، فإنه قد وقف أمام هذه المرحلة كثيراً نظراً لغموضها في كتب التاريخ.
هذا ولما كانت فترة التواجد اليهودي في مصر القديمة ممثلاً في أبناء يعقوب عليه السلام وأجيالهم من بعدهم نغمة عدوان يدق عليها الإعلام اليهودي، فضلاً عن الفكر اليهودي، الذي تناولها كجذور للعدوان والمطاردة القديمة في المنطقة العربية فإنه قد عالج هذه المرحلة من كافة جوانبها: التاريخية والدينية والسياسية والأخلاقية، ومن بين مصادر عددية بعضها يهودي منصف للحقيقة والتاريخ.
وقد تناول شخصية النبي موسى عليه السلام واستشهد بفكر وإنتاج المفكرين العرب وغيرهم في تناولهم لهذه الشخصية العظيمة التي يكن لها كل عربي ومسلم الحب والاحترام والتقدير. ولقد تناول في موضوعية محايدة ترجيح أسلم وأصوب آراء رجال التاريخ القديم في تحديد بدء العلاقة التاريخية لليهود كجماعة بعينها في الأرض العربية، حتى انتهى به المطاف في هذه المرحلة إلى عصر النبوة والرسالة بشكلهما الواسع والشهير، ونعني بهذا العصر: القرن العاشر قبل الميلاد، فترة النبي داود وابنه سليمان عليهما السلام.
وكان من الضرورة أن يتابع استقصاءه لحركة التاريخ في هذه المنطقة من العالم، وما تعرضت له من غزو أو إغارة منذ هذه الفترة حتى ظهور السيد المسيح الذي أفرد له باباً مستقلاً لدراسة كل ما يتعلق بدعوته ورسالته وعلاقته ببني إسرائيل، واقتضت طبيعة البحث التاريخي البحت أن يتناول العلاقة اليهودية المسيحية من مصادر مسيحية وخاصة كتب العهد الجديد، حتى انتهى به البحث في هذه المرحلة وتلك القضية إلى طرح ما تصوره مصادر العقيدة المسيحية المتداولة لدى المفكرين المسيحيين.
هذا وقد خصصنا الجزء الثاني من الكتاب للعلاقة التاريخية لليهود بأرض العرب وخاصة بعد مراحل التكتل اليهودي في مناطق جزيرة العرب قبيل البعثة المحمدية. وفي الباب الثامن الجزء الثاني اقتضى منه البحث أن يتناول المنظمات اليهودية في عصر ظهور الإسلام، والكشف عن العناد والمقاومة اليهودية للإسلام وموقف المسلمين من الرفض اليهودي للتعايش السلمي والجوار. المشترك وقبول الدعوة الإسلامية، حتى كانت معارك الإسلام واليهود في قينقاع وقريظه والنضير ويبر.
وكان حريا بالبحث الذي أخذه على نفسه أن يتابع بعد عمليات الطرد التي قام بها العرب المسلمون بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم ضد اليهود في مهاجرهم في أوروبا في العصور الوسطى، لأن الفترة من عصر الدعوة الإسلامية حتى العصور الوسطى، سعد فيها اليهود بالمواطنة بين الشعوب التي كانوا فيها وخاصة الشعوب الإسلامية.
ومنذ العصور الوسطى، حتى قيام النهضة الأوروبية ظهرت القوى اليهودية كأخطار قومية وعنصرية في وجه الحضارة الغربية. لذا كان عليه أن يتعرض لهذه المرحلة بكثير من التفصيل. ولما كان من بين تراث المفكرين اليهود في عصر النهضة الأوربية من راح يتشدق بنقاء الجنس اليهودي، واصطفاء الديانة اليهودية فإنه قد راح يعالج هذه القضية، واقتضى ذلك بعض البحوث العلمية من علوم الأجناس والأحياء، حتى انتهى إلى جملة مقررات علمية ترفض زيف دعوى الفكر اليهودي الحديث.
كذلك عرض لعمل مقارنة بين تأثر اليهود في عقيدتهم بالديانة المصرية القديمة (دين اخناتون) والآشورية والأكدية، وغيرها.
ولما أفرزت التناقضات الأوروبية بعد حركة تطور وتصاعد أخطار الثورة الصناعية، وازدهار رأس المال العالمي، وبروز الاحتكارات الكبرى الفكر الصهيوني الحديث، فإنه قد أفرد باباً بذاته، لدراسة الحركة الصهيونية وإيديولوجيتها وأنشطتها ي علاقات القوى الدولية، حتى استطاعت خلق الموقف الدولي المعقد وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عما جره على شعوب المنطقة من آلام وويلات حروب أربعة، أرهقت الأمة العربية، وهي لما تزل بعد تنفض عن جسدها غبار تراب الزمن بعد رقدة طويلة قهرها فيه العدو الأجنبي والأعجمي.
Noor-Book.com التاريخ اليهودي العام 2
المصدر: مكتبة نور