آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أسبوع ديني في حياتهم؟
6 مايو، 2024
793
“ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الإنسان يُسلَّم إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكمون عليه بالموت، ويسلمونه إلى الأمم” (مر 33:10)، سجل إنجيل القديس مرقس ما أعلنه المسيح لتلاميذه عن مشاهد آلامه التي يُطوى بها الفصل الأخير من فصول خدمته على الأرض، والتي استمرت ثلاث سنوات، لتظل هذه الآلام وأحداثها ورموزها، على مدار نحو ألفي عام، أهم وأقدس المناسبات المسيحية في شتى أرجاء العالم.
ويحتفل أقباط مصر الأرثوذكس، مع كنائس التقويم الشرقي، بأسبوع الآلام الذي يعتبرونه أقدس مناسباتهم الدينية، ويبرز ذلك في طقوس تمتد لقرون عديدة، تعكس روحانية خاصة وملامح لحظات ومشاهد مليئة بتفاصيل يغتنمها المؤمنون للإكثار من حياة التأمل والصلاة طلبا للتعزية و”شركة الآلام” مع المسيح في تلك الأيام.
وأسبوع الآلام أو أسبوع “البصخة” – وهي كلمة آرامية تأتي بصيغتي “بسخا” و”فصحا” بحسب ما ذكره “المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم” للخُوري بولس الفغالي، وانتقلت إلى اليونانية واللغات الأوروبية والعربية وتعني “العبور” – يُطلق على فترة الأيام واللحظات الأخيرة في حياة يسوع المسيح على الأرض، وينتهي الأسبوع بـ “أحد القيامة”، ويحمل كل يوم اسما يميزه ويرمز إلى أحداثه: سبت لعازر، أحد الشعانين، إثنين البصخة، ثلاثاء البصخة، أربعاء البصخة (أربعاء أيوب)، خميس العهد، الجمعة العظيمة، سبت النور.
ونستطيع رصد تاريخ وملامح الطقوس القبطية في تلك الأيام اعتمادا على عدة مصادر أبرزها دراسة أعدّها ألبير جمال ميخائيل بعنوان “التمام في طقس أسبوع الآلام قطمارس ودلال أسبوع الآلام”، ودراسة الأغنسطس إبراهيم عياد جرجس ولجنة التحرير والنشر بمطرانية بني سويف بعنوان “ترتيب أسبوع الآلام بحسب طقس الكنيسة القبطية”، ودراسة بيشوي فايز بعنوان “أسبوع الآلام، تأملات وتفاسير في أحداث وأناجيل أسبوع الآلام ساعة بساعة”، وتأملات الأب متى المسكين بعنوان “تأملات في أسبوع الآلام، من جمعة ختام الصوم إلى جمعة الصلبوت”، وتأملات الأنبا شنودة الثالث بعنوان “تأملات في أسبوع الآلام”، ودراسة “دراما الصليب” لمطرانية المنيا وأبو قرقاص، للأنبا مكاريوس أسقف المنيا العام.
أسبوع الآلام في تاريخ الأقباط
يستخدم تعبير “أسبوع الآلام” بين الأقباط اليوم على نطاق واسع، بيد أن البعض يضيفون أبعادا إيمانية أخرى لمضمون المناسبة وكونها لا تتحدث عن آلام عادية تنطوي على توجع ومعاناة فحسب، بل هي آلام يصفونها بالـ “خلاصية”، بحسب العقيدة المسيحية، كما ذكر الأب متى المسكين في تأملاته مشيرا إلى أن أسبوع البصخة “ليس أسبوع آلام عقيمة أو آلام فحسب، بل آلام عبور، آلام فصحية…”.
وتلفت دراسة “دراما الصلب” لمطرانية المنيا وأبو قرقاص إلى أن “أسبوع الآلام أهم أسبوع في السنة كلها، فإذا كان الصوم الكبير هو أهم موسم في السنة، فإن أسبوع الآلام هو أقدس أيام هذا الموسم لذلك فهو بالتالي أقدس أيام السنة كلها… وقديما كانوا يحتفلون به مرة كل ثلاثة وثلاثين عاما، حتى انتبه أحد البطاركة إلى أن هناك بعض من الناس يولدون ويموتون دون الاحتفال به، فقرروا الاحتفال به سنويا، بل وضم أسبوع الآلام على الصوم”.
ويقول الأنبا شنودة الثالث في دراسة “تأملات في أسبوع الآلام” :”كان هذا الأسبوع مكرسا كله للعبادة، يتفرغ فيه الناس من جميع أعمالهم، ويجتمعون في الكنائس طوال الوقت للصلاة والتأمل”.
ويضيف: “كان الملوك والأباطرة المسيحيون يمنحون جميع الموظفين في الدولة عطلة ليتفرغوا للعبادة في الكنيسة خلال أسبوع الآلام. وقيل إن الإمبراطور ثيئودوسيوس الكبير كان يطلق الأسرى والمساجين في هذا الأسبوع المقدس ليشتركوا مع باقي المؤمنين في العبادة، لأجل روحياتهم وتكوين علاقة لهم مع الله، ولعل ذلك يكون تهذيبا لهم وإصلاحا”.
ويتابع الأنبا شنودة وصفه لتاريخ الطقس على المستوى الاجتماعي قائلا إن السادة أيضا كانوا يمنحون الخدم عطلة طول أسبوع البصخة “فمن حق الخدم أن يتفرغوا أيضا من أعمالهم لعبادة الرب”، ويضيف في دراسته “هكذا لا تكون روحيات السادة مبنية على حرمان العبيد، بل الكل للرب، يعبدونه معا ويتمتعون معا بعمق هذا الأسبوع وتأثيره”.