ونفت هيئة تنمية دلهي جميع هذه المزاعم، قائلة إن الأرض التي كان المسجد قائما عليها كانت ملكا لها.
وقال راجيف كومار تيواري، المفوض الرئيسي في إدارة هيئة تنمية دلهي، لبي بي سي: “وجدنا بعض الكتب أثناء تطهير الموقع وطلبنا من سلطات المسجد استلامها منا”.
وتنظر محكمة دلهي العليا في الأمر، وقالت يوم الخميس إن هناك “هياكل كافية ” في دلهي، ولا ينبغي أن يعيق ذلك استعادة غابات المدينة. وأضافت المحكمة أنه لن تتم حماية أي مبنى سوى الآثار المعترف بها من قبل هيئة المسح الأثري للهند، الوصي على الآثار في البلاد.
في الأيام التي تلت الهدم، هدمت السلطات بعض المباني التاريخية الأخرى في مهرولي، بما في ذلك ما يعتقد الكثيرون أنه ضريح أحد القديسين الصوفيين الأوائل في دلهي.
وقد وصف دعاة الحفاظ على البيئة والمؤرخون الغاضبون هذا بأنه تدمير “طائش” للتراث الجماعي يضرب روح المدينة ذاتها.
التاريخ حاضر في معظم أنحاء دلهي، التي نجت من موجات الفتوحات والتغيير. الماضي يتعايش مع الحاضر، ويمكن أن يوجد في حي فاخر مع الحانات والمطاعم الراقية نصب يعود للقرن الـ12 أو قبر بين الأزقة.
“ساهم ماضي دلهي الغني بشكل لا يصدق في تطورها كمدينة فريدة من نوعها”، كما يقول المؤرخ سهيل هاشمي، مضيفا “إن وصف ذلك بأنه ضد التقدم أو التطور هو انفصام زائف”.
شكك النقاد في المنطق الكامن وراء تصنيف الهياكل التي تعود إلى قرون – والتي هي أقدم من الغابات والبيئة المحيطة بها – على أنها غير قانونية. كما يقول بعضهم إن عمليات الهدم المخطط لها تركز بشكل غيرعادل على التراث الثقافي والتاريخي الإسلامي. من بين 20 مبنى ديني من المقرر إزالته في سانجاي فانوفقا، هناك 16 مزارا إسلاميا، وأربعة معابد، وفقا للإدارة.
يقول هاشمي: “من الواضح أن هناك نمطا يظهر ويشكل سابقة مقلقة لبلد يعامل جميع الأديان على قدم المساواة”.
لكن تيواري قال إن الخطوة “القانونية تماما” لا ينبغي أن تعطي إيحاءات دينية. وأضاف أن إدارته تصرفت في كثير من الأحيان ضد التعديات على الأراضي الحكومية، بما في ذلك من قبل المعابد، وأنها هدمت خمسة معابد في حي مختلف في نفس يوم هدم المسجد.
وقال: “نحن نقوم بعملنا فقط”.
صدر الصورة، MUZAMMIL SULEMAN
التعليق على الصورة، ركام المسجد
ويقول المتضررون إن هدم المسجد حصل بشكل فوضوي ومن دون إعلان مسبق. وتحدثت بي بي سي إلى تسعة أطفال قالوا إنهم استيقظوا لأداء صلاة الفجر في الساعة 5 صباحا عندما سمعوا صوتا صاخبا. ويتذكر أحدهم، ويدعى عمر، رؤية العشرات من رجال الشرطة وعدد قليل من الجرافات و”بعض الرجال الغاضبين يصرخون فينا للخروج”.
ثم اندفع الإمام حسين صارخا في الأطفال: “اركض، اركض”، “خذ كل ما يمكنك العثور عليه واركض فقط!”.
ركض عمر مع سترة ونعل في يده. لم يستطع صديقه مريد فعل ذلك وذهب حافي القدمين. قال خمسة أطفال آخرين، جميعهم يبلغون من العمر نحو 10 سنوات، إنهم خرجوا بدون سترات أو أحذية.
يقول أحدهم ويدعى ظفر: “كنت محظوظا، على الأقل تمكنت من إحضار طبقي هذا، ومضربي المفضل”.
التعليق على الصورة، إمام المسجد ذاكر حسين
ليس الأطفال فقط هم الذين دمرت حياتهم. حسين، الذي كان يعيش في مبنى صغير بالقرب من المسجد مع عائلته، أصبح أيضا بلا مأوى. ويقول إنه يزور المكان كل يوم، ويقترب قدر الإمكان قبل أن يوقفه أفراد الشرطة الذين يحرسون الموقع.
يقول مزمل سلماني، الذي كان يدرس اللغة الإنجليزية والهندية في المدرسة، إن عمه دفن في المقبرة المجاورة للمسجد. بعد الهدم، كل ما وجدوه هو بعض القطع المكسورة من شاهد قبره.
ويضيف: “الناس لا يفهمون، لم يكن هذا مجرد مسجد قديم أو مقبرة أو مدرسة. كان مأوى لنا”.
لا يعرف الكثير عن تاريخ المسجد، ويقول البعض إنه بني في القرن الـ13، وبنته أميرة تدعى راضية سلطانة، التي تعد أول زعيمة مسلمة من شبه القارة الهندية. ويقول آخرون إنه يمكن أن يكون أقدم من ذلك. يقول هاشمي إن استخدام الحجر الرمادي في الهيكل يشير إلى أنه قد يكون بني خلال فترة السلطنة، منذ حوالي 600-700 عام.
وتظهر سجلات المسح الأثري للهند أنه تم إصلاح المسجد في حوالي عام 1853 في عهد الإمبراطور المغولي الأخير بهادور شاه ظفر. وتقول المؤرخة رنا ساففي إن عليه نقشا كتبه الإمبراطور بنفسه.
بينما خضع جزء كبير من الهيكل لإعادة الإعمار حديثا، وتقول ساففي إن المسجد كان لا يزال جزءا حيويا من التاريخ يستحق الحفاظ عليه. وتضيف: “كيف يمكن للمسجد الذي كان مهما لآخر الأباطرة المغوليين عديم الأهمية؟”.
ومع ذلك، تقول هيئة تنمية دلهي إنه ليس لديها سجل لتاريخ المسجد. وقال تيواري من الهيئة: “اكتشفت بعد الهدم أن المؤرخين يدعون ذلك”، مضيفا أن”الهيكل بدا أيضا حديثا وليس قديما على الإطلاق”.
وقال: “لقد فعلنا كل ما في وسعنا للحفاظ على الآثار المعلنة ذات الأهمية الوطنية، ولكن هذا الهيكل ليس جزءا من أي سجل من هذا القبيل”.
بالنسبة لأهل مهرولي، كان المسجد أيضا شريانا للحياة الاجتماعية، وملاذا ومهربا، كما يقول أسامة، الذي يستخدم اسمه الأول فقط.
يتذكر المهندس المعماري أسامة الذي يوثق تاريخ المنطقة في أوقات فراغه، الوقت الذي قضاه في المسجد للاحتفال بالمهرجانات مع الأطفال، ومقابلة المسافرين من جميع أنحاء البلاد، الذين جاءوا للصلاة في المسجد.
ويضيف: “على الرغم من أنه كان داخل الغابة، فإن المكان كان مركزا مجتمعيا مهما جمع كل أنواع الناس معا. بالنسبة لهم ، كانت قيمته عملية وليست تاريخية فقط”.
وتصر هيئة تنمية دلهي على أن الهيكل قد تم تدميره لأنه شُيد بشكل غير قانوني على أراضي غابات قيمة.
وحصلت غابة سانجاي فان، أحد الملاذات الخضراء الأخيرة في المدينة، على صفة “الغابات المحمية” في عام 1990 وسط مخاوف متزايدة من زحف المدن في الآونة الأخيرة، وبدأت هيئة تنمية دلهي بذل جهود لمكافحة التعدي في المنطقة.
لكن المؤرخين يشيرون إلى أن المسجد كان موجودا قبل فترة طويلة من حماية الغابة، وبالتالي لا يمكن اعتباره تعديا.
إنهم قلقون من أن مثل هذه التحركات يمكن أن تهدد المنشآت الأخرى في مهرولي، التي هي في حاجة ماسة إلى الصيانة.
ويقول هاشمي: “ليس هناك شك في أن الغابة مهمة. لكن يجب ألا يكون هناك صدام بين الغابة والهياكل التاريخية بداخلها؛ كلاهما بحاجة إلى الحفاظ عليه”.
التعليق على الصورة، يحن الأطفال إلى مكان سكناهم القديم
في عام 2023، قالت هيئة تنمية دلهي في مذكراتها الخاصة أمام المحكمة العليا إنها لن تهدم المساجد والمقابر والممتلكات المشروعة الأخرى التي يملكها مجلس وقف دلهي في مهرولي لأنها تقع ضمن اختصاص المجلس، وتحمل أهمية دينية.
وفي الأسبوع الماضي، قالت هيئة تنمية دلهي إن هدم المسجد “تمت الموافقة عليه” من قبل لجنة دينية شكلت للنظر في مثل هذه الحالات. وطعنت سلطات المسجد في هذا الأمر في المحكمة، زاعمة أن السلطات ألغت حكما قضائيا صدر عام 2022 أمر هيئة تنمية دلهي بتحديد الأراضي المملوكة للوقف وترسيمها قبل القيام بأي عمليات هدم في المنطقة.
ويقول المحامي والناشط براشانت بوشان إنه يبدو أن القوانين الحالية قد طبقت بشكل تعسفي في هذه القضية. “حتى لو كانت هيئة تنمية دلهي تستند لقوانين الغابات، فعليها أولا تحديد حقوق الأشخاص الذين يعيشون في هذه المناطق”.
ومع ذلك، يقول تيواري إن الأرض تنتمي إلى هيئة تنمية دلهي في المقام الأول، لذلك “لا تنطبق مثل هذه القوانين” في هذه الحالة.
بعيدا عن الخلافات، يلعب فواد لعبة الكريكيت مع أصدقائه في فناء منزله الجديد في مسجد آخر.
إنه لا يكره المكان الجديد، ولكن هناك عدد أقل من الواجهات الخضراء، ويشعر أن المكان “جديد ومختلف” بدونها ، كما يقول.
ويضيف “ربما سأجد لونا مفضلا جديدا”.
ملاحظة: تم تغيير أسماء الأطفال حرصا على سلامتهم.
المصدر : سكاي نيوز