وصف الكتاب
هذا كتاب اعتبره بعضهم كتاباً تراثياً، لمكانته، وقوة عارضته، وجمال عرضه، ودقة معلوماته، وثقل حجمه، وجدة تناوله. إنه الكتاب التاريخي المطلوب، والجامعي المرغوب من حيث تلبية الحاجة والضرورة، ومن حيث العلمية، فصلح أن يكون مقرراً جامعياً.
بل إن بعضهم لم يعتبره كتاباً في التاريخ يدرس في أقسام التاريخ، وإنما يدرس في كليات الشريعة. لكن وجد من أنصفه، وأظهر جوهره ونوعيته، وبعد غوره، وقوة أرضه الصلبة.
فهو يسير متجهزاً قوياً قائماً فارعاً. أعجب به كل منصف، وحاز عنده قصب السبق، ودهش لحقائقه، وروعة أسلوبه وعرضه، بدرجة ما ظن أن يكون كتاب بمثل هذا المستوى. ولقد ظن الكثير -لاسيما العديد من أساتذة الجامعات- أنه أطروحة الدكتوراه، بينما هو ليس كذلك بأي حال، لا من قريب ولا من بعيد. إنه عمل علمي آخر جديد، انتفع بكل الخبرة والمعرفة والممارسة المقامة والمدونة والمضمنة أطروحة الدكتوراه، وموضوعها: (العلاقات الدبلوماسية الأندلسية مع أوربة الغربية خلال المدة الأموية). وأقيمت له عدة ندوات إذاعية وربما تلفزيونية وعرضته بإعجاب ودهشة.
ولا يرفض هذا الكتاب من الأساتذة الجامعيين إلا من خاف حقائقه أن تهدم الشبهات والأباطيل وتنسفها وترميها، بعد أن تأتي عليها من القواعد. والكتاب لبنة في دعوة كتابة التاريخ الإسلامي، أو إعادة كتابته.
وإنك -خلال قراءته ودراسته- لا تحس بالمتعة وشوق المتابعة فقط، بل وتطلع على أسلوب قوي ناصع، علماً وأدباً، يرقى متابعاً طريق ابن حيان صاحب (المقتبس) شيخ مؤرخي وأدباء عصره في الأندلس، على أقل تقدير. ويعتبره المؤلف أحد شيوخه من السلف في هذا الباب. مثلما تحس بجدة هذا الكتاب الذي بين يديك، أسلوباً وفكرة، وتناولاً وعمقاً، وعرضاً متناسقاً، وحضوراً متجاوباً. ولقد قيل في ذلك: من أراد معرفة التاريخ الأندلسي فعليه بهذا الكتاب، الذي يغني عن موسوعات. ومن يقرؤه يعرفه حقيقة. وإذا أردت معرفة أي شيء من التاريخ الأندلسي فليس لك غيره. وهو أول ما عليك أن تدرسه. إنه يأخذ بيديك إلى أغوار حقائق الأحداث لتعرفها وتقرأها وتطلع عليها عياناً، وتشهدها برهاناً. فلا تغرك عندها ما قد يجرك ما على سطحها من مزالق تخفي عنك حقائق بنائها وارتباطاتها، وتنوع ملتقياتها ومآلاتها، وطبيعة متعلقاتها، وذلك ما ستلمسه -إلى حد- بوضوح، ويشار إلى بعضها في آخر هذه المقدمة.
كل ذلك يواجه بصراحة لعرض الحقائق وتقديمها كاملة، بكل أطرافها وأطاريفها (طرفها)، وبكل ضوئها وجمالها أو قيمتها وقناعتها. وهو -لمواصفاتها وجدته- يحملها مختاراً على التركيز، تمنحه من جديتك واهتمامك وبشوقك -رغم الجهد- باستنتاجه واستيعابه. وتشعر كأنه يطلعك على أسرار، ويقدم لك المجهول من الأخبار. ويجول بك في مرابعه النضرة، ويأخذ بك في دروبه العطرة، وإن تبعثرت أحياناً. يجرك فوق جسور مدها، ومعابر عقدها، ومهاد عبدها.
وما يتولى في هذا الكتاب هو عرض ومعالجة قضايا عديدة ومتنوعة خلال ثمانية قرون. فهو بطبيعته يختلف عن الكتب التي تعالج موضوعاً واحداً.
لقد توفر على تاريخ الأندلس نتاج كثير، ومناقشات تضاربت فيها -أحياناً- وجهات النظر. ولقد جرت العناية في هذا الكتاب بكل ذلك، على أساس العودة إلى المصادر ونوادر النصوص والدراسات المنشورة وإلى المخطوطات، بالرحلة إلى موطنها، والحصول على مصورات لكثير منها. فكان عدد المصادر والمراجع حوالي مئتي مصدر ومرجع، بالعربية ما بين مخطوط ومطبوع، وبأربع لغات أوروبية: (الإنكليزية والإسبانية والفرنسية والألمانية).
كان أسلوب التناول المعتمدة العودة إلى الأصول، والانتفاع بغيرها، وجعل كل ذلك خاضعاً للمناقشة (مع عدم الاكفتاء ترجمات النصوص الفرنجية الجاهزة، بل الرجوع إلى أصولها، بلغاتها التي كتبت بها) وفهم الأمور في ظروفها المتنوعة وارتباطاتها وترابطها المتشابك، دون اعتساف.
جرى الانتفاع بالأحداث وبطبيعة الظروف وأحوالها، في رسم صورة، أو إعطاء صفة، أو بيان وجهة، أو تعليل قضية، أو توضيح طبيعة أو انتباه إلى أحوال وقضايا، أو التعرف على ظاهرة، مع جمع النصوص المتناثرة، والتقاطها من خلال جرد المصادر وربطها، والانتفاع بنصوص جديدة، أعانت على أمور في بيان حالة، وتأكيد معنى، وإزالة لبس وجلب قضية، زادت الموضوع جمالاً ووضوحاً وحجة.
هذا الكتاب حصيلة تدريس مادة التاريخ الأندلسي لعشر سنين، بمتابعة مستمرة، ورغبة أكيدة -تخصصاً وهواية- بلغت حدا بعيداً من التعلق قد يصل إلى حد العشق.
Noor-Book.com التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة
المصدر: مكتبة نور